الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٢٦
إرم. ومنهم العماليق. تفرقوا في البلاد ونزل أخوهم أميم بن لاوز أرض فارس.
ونزل ماش بن إرم بن سام بابل على شاطئ الفرات فولد نمرود بن ماش وهو الذي بنى الصرح ببابل. وملك خمسمائة سنة. وهو ملك النبط. وفي زمانه فرق الله الألسن. فجعل في ولد سام تسعة عشر لسانا، وفي ولد حام سبعة عشر لسانا، وفي ولد يافث ستة وثلاثين لسانا، وتشعبت بعد ذلك اللغات وتفرقت الألسن، وتفرق الناس في البلاد، وولد أرفخشد بن سام بن نوح شالخ. فولد شالخ فالخ بن شالخ (الذي قسم الأرض وهو جد إبراهيم عليه السلام) وعابر بن شالخ وابنه قحطان بن عابر وابنه يعرب بن قحطان. وقحطان أبو اليمن كلها وهو أول من تكلم بالعربية لإعرابه عن المعاني وإبانته عنها، ويقطن بن عابر بن شالخ هو أبو جرهم. وجرهم بنو عم يعرب، وكانت جرهم ممن سكن اليمن وتكلموا بالعربية. ثم نزلوا بمكة فكانوا بها (2).
لقد تفرقت القبائل وتعددت الألسن، وتعددت دوائر الشذوذ وخطوط الانحراف عن الصراط المستقيم، فكان إبراهيم عليه السلام رحمة من الله للبشرية جمعاء، بعثه الله في هذا الاتساع الذي يموج بالفتن، ليكون أبا للمسلمين وليواجه الانحراف ويبطل عقائد التعدد وربوبية النجوم والنار ويدعو إلى عبادة الله الواحد. وإذا كان نوح عليه السلام يعتبر أبا للبشرية بعد الطوفان، فإن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء وإليه تنتهي أنسابهم. وإذا كان نوح قد نجاه الله من الغرق لتبدأ البشرية صفحة جديدة، فإن الله سبحانه نجا إبراهيم من الحريق إيذانا بمنطلق جديد للدعوة إلى الله في عالم البشر الفسيح - لقد كان نوح عليه السلام بداية وكان إبراهيم عليه السلام بداية - والبداية هنا لا تختلف عن البداية هناك، لأن كلا منهما من الصراط المستقيم وعليه يقول تعالى: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة) (3) إنها البداية.. النبوة والكتاب، فالله تعالى يخبر أنه منذ بعث نوحا عليه السلام لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته. وكذلك إبراهيم عليه السلام لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته (4) كما قال تعالى: (وجعلنا في

(2) مروج الذهب: 37، 38 / 1.
(3) سورة الحديد، الآية: 26.
(4) ابن كثير: 5 (4 / 3.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست