الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٣٢
من نور يخرج منها ليهديهم، لقد أقاموا الأصنام بداخلهم وطغت أهواؤهم تحت جلودهم في مستنقع من أبوال الشياطين. وفي هذا المستنقع أصبحت الفاحشة سنة قومية. الخارج عنها خارج عن القانون! وبدأ لوط عليه السلام دعوته بالطريقة التي يبدأ بها رسل الله يقول تعالى: (كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) (15) لقد كذبوا جميع المرسلين، لأن الذي يكذب واحدا منهم يكون في الحقيقة قد كذبهم جميعا.
ولوط عليه السلام عندما دعاهم. دعاهم أولا إلى تقوى الله. وأخبرهم بأنه أمين لا يغشهم. وأن طاعته من طاعة الله. ولأنه الأمين على ما يحمله إليهم من دعوة.
فهو لم يسألهم على ما يدعوهم أجرا وجزاء. حتى لا يتهموه بأنه يطلب نفعا يعود إليه. وهو أيضا لا يدعوهم من غير جزاء مطلوب. فدعوته ليست عبثا. ولكنه إنما يطلب الجزاء من الله رب العالمين. ثم بدأ عليه السلام يبث نداء الفطرة لعل النداء يقرع مسامعهم. فقال: (أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) (16) والمعنى: أتأتون أنتم من بين العالمين هذا العمل الشنيع (17). فيكون في معنى قوله في موضع آخر: (ما سبقكم بها أحد من العالمين) (18). (أتأتون الذكران من العالمين) الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والذكران جمع ذكر مقابل الأنثى. وإتيانهم كناية عن اللواط، والعالمين جمع عالم وهو الجماعة من الناس. أتأتون الذكران وتتركون ما خلق الله لكم من أزواجكم؟ إنكم بهذا تكونون خارجين عن الحد الذي خطته لكم الفطرة. عندما قال لهم لوط ذلك، لم يقولوا له ما أنت إلا بشر مثلنا، ولم يسألوه أن يأتيهم بمعجزة تثبت أنه رسول من الله. لم يسألوا شيئا من هذا، لأن عقولهم هناك في مباول الشيطان وأفعالهم ضد البشرية لأنها تؤدي إلى إهمال طريق التناسل. إن القوم يعبدون الأوثان ويأتون الذكران ولا رد عند من هذا شأنه لذا كان ردهم الوحيد على لوط عليه السلام عندما أراد أن يردهم إلى رحاب

(15) سورة الشعراء، الآيات: 160 - 164.
(16) سورة الشعراء، الآيتان: 165 - 166.
(17) الميزان: 109 / 15.
(18) سورة الأعراف، الآية: 80.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست