أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) (55) فالآيات أظهر ما يكون في أن إبراهيم عليه السلام كان يدافع عن قوم لوط لا عن لوط نفسه (56) ويقول المفسرون: قوله تعالى: (يجادلنا في قوم لوط) فيه مدح بالغ لإبراهيم عليه السلام. وبيان أنه إنما كان يجادل فيهم لأنه كان حليما لا يعاجل نزول العذاب على الظالمين رجاء أن يأخذهم التوفيق فيصلحوا ويستقيموا. وكان كثير التأثر من ضلال الناس وحلول الهلاك بهم مراجعا إلى الله في نجاتهم لا أنه عليه السلام كان يكره عذاب الظالمين وينتصر لهم بما هم ظالمون وحاشاه عن ذلك. وفي قوله تعالى: (يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) قطع للجدال. حيث علم أن الإلحاح في صرف العذاب. عنهم لن يثمر، فإن القضاء حتم. والعذاب واقع لا محالة. فقولهم:
(يا إبراهيم أعرض عن هذا) أي انصرف عن هذا الجدال ولا تطمع في نجاتهم فإنه طمع فيما لا مطمع فيه (إنه قد جاء أمر ربك) أي بلغ أمره مبلغا لا يدفع بدافع ولا يتبدل بمبدل (وإنهم أتاهم عذاب غير مردود) أي غير مدفوع عنهم بدافع فلله الحكم ولا معقب لحكمه (57).
ومن عند المكان الذي تلقى فيه إبراهيم البشرى وسمع خبر العقاب انطلق الملائكة في اتجاه القرية الظالمة التي أرادت أن تسن سنة يعطل بها النسل وتحط ردائها تشيع الفواحش وثقافة الانحطاط. انطلق الملائكة بعد أن وضعوا في ذاكرة المؤمنين معجزة المولود. والمعجزة لم توضع في الذاكرة الإيمانية بمفردها وإنما وضع بجانبها خبر العقاب. ليكون المشهد مولود هنا واستئصال هناك. مولود هنا يحمل رسالة واستئصال هناك لجموع خفيرة بلا رسالة وبلا هدف يجلدون فطرتهم ويلاحقون الضمير في كل مكان. لقد وضعوا في الذاكرة الإيمانية أن الذين يقطعون السبيل لا يملكون شيئا لأن الذي يجري الماء قادر على أن يجريه في أي مكان وزمان. وإن قاطع السبيل لا يمكن أن يفر من تحت السماء.