فماذا كان موقع البشرى على الشيخ الذي مسه الكبر وزوجته العجوز العقيم؟ فأما إبراهيم عليه السلام فقد قال: (أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) (45) قال المفسرون: تلقى إبراهيم عليه السلام البشرى وهو شيخ كبير هرم. لا عقب له من زوجه ولذا تعجب من قولهم. واستفهمهم.
كيف يبشرونه بالولد وحاله هذه الحال وزوجه عجوز عقيم. والمعنى: إني لأتعجب من بشارتكم إياي. والحال أني شيخ هرم فنى شبابي وفقدت قوى بدني. والعادة تستدعي أن لا يولد لمن هذا شأنه (46) وأمام تعجب إبراهيم قالوا (بشرناك بالحق) أي أن بشارتنا ملازمة للحق غير منفكة منه. فلا تدفعها بالاستبعاد فتكون من القانطين من رحمة الله. فقال إبراهيم: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) أي أن القنوط من رحمة الله ما يختص بالضالين. ولست أنا بضال فليس سؤالي سؤال قانط مستبعد (47).
أما موقع البشرى على زوجة الخليل. فإنها عندما سمعت (قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) (48) لقد وجدت نفسها أمام مفاجأة. فما لبثت أن قالت بكلمات (يا ويلتي) (أألد وأنا عجوز) (وهذا بعلي شيخا) ثم أجملت (إن هذا لشئ عجيب) ومورد التعجب أنها لما سمعت بشارة الملائكة. تمثل لها الحال. كيف يولد ولد من عجوز عقيم وشيخ هرم بالغين في الكبر ولا يعهد من مثلهما الاستيلاد فهو أمر عجيب. ولقد أنكرت الملائكة تعجبها وقالوا: (أتعجبين من أمر الله) أضافوا الأمر إلى الله لينقطع بذلك كل استعجاب واستغراب لأن ساحة الألوهية لا يشق شئ عليها فهو سبحانه الخالق لكل شئ. ثم نبهوها بقولهم: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) وذلك لأن الله أنزل رحمته وبركاته عليهم أهل البيت. فليس من البعيد أن يكون من ذلك