الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٣٣
الفطرة: (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين * قال إني لعملكم من القالين * رب نجني وأهلي مما يعملون) (19).
لقد لوح أهل الدنس بالقبضة الحديدية في وجه رسول الله، أخبروه بأنه إذا لم ينته ويكف عن مواعظه ودعوته لهم بترك ما هم عليه، فسيكون من المنفيين من قريتهم. فكان رده عليه السلام: إني لا أخاف الخروج من قريتكم ولا أكترث به. بل مبغض لعملكم (20) راغب في النجاة من وباله النازل بكم لا محالة. ثم دعا عليه السلام ربه أن ينجيه من أصل عملهم الذي يأتون به بمرأى ومسمع منه.
فهو منزجر منه، أو من وبال عملهم والعذاب الذي سيتبعه لا محالة، ولم يذكر عليه السلام إلا نفسه وأهله إذ لم يكن آمن به من أهل القرية أحد (21)!
* 2 - استعجال العذاب:
لبث لوط في قومه ثلاثين سنة، يدعوهم إلى الله عز وجل. وكانوا لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من الجنابة (22) ولم ييأس لوط عليه السلام من دعوتهم، وكانوا قد حذروه من قبل أنه إذا لم ينته فسيطرد من القرية! لقد أراد أصحاب الدنس أن يقطعوا شعاع الرحمة النازل من السماء، وليس في الوجود أشد حمقا من مثل هؤلاء. إنهم ينامون في الدنس والعار، ولا يريدون أن يستيقظوا على صوت يدعوهم إلى التفكير في أحوالهم من منطلق فطري. حتى ولو كان هذا صوت الوحي! إن هذا النوع من الناس ضيق الأفق لا يرى الأمور إلا من وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر الشيطان، ويكفيهم عارا أن الشيطان زين لهم أدبار الذكران وغواهم في هذه الجزئية، فاعتبروها دستورا لحياتهم. لقد طالبوا لوطا عليه السلام بالصمت لكن لوطا نبي ليس له إلا أن يبلغ رسالة ربه. وعندما قام لوط بالبلاغ أصدروا عليه قرار الطرد! يقول تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم

(9 1) سورة الشعراء، الآيات: 167 - 169.
(20) البغوي 235 / 6، ابن كثير: 345 / 3.
(21) الميزان: 310 / 15.
(22) كتاب الأنبياء: 162.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست