فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتما، فانتظرته ساعة، وظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: ما لي أراك مغتما منذ الليلة.
قال: يا بني إني جئت من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك؟ قال:
قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه.
فقال لي: هيهات هيهات، ملك أخو " تيم " فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو " عدي "، فاجتهد وشمر عشر سنين، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر ما فعل به، وأن أخا هاشم (وفي رواية ابن أبي كبشة) يصرخ به في كل يوم خمس مرات: " أشهد أن محمدا رسول الله "، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أم لك، والله إلا دفنا دفنا (1).
وأن المأمون لما سمع هذا الخبر، بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وضعنا، وأنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر، فأعظم الناس ذلك وأكبروه، واضطربت العامة منه، فأشير عليه بترك ذلك، فأعرض عما كان هم به (2).
هذا فضلا عن وصية المأمون (198 - 218 ه / 813 - 833 م) لأخيه المعتصم (218 - 227 ه / 833 - 842 م) والتي يقول فيها " وهؤلاء بنو