ومائتين خلع المأمون أخاه المؤتمن من العهد، وجعل ولي العهد من بعده، " علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق "، حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل: إنه هم أن يخلع نفسه، ويفوض الأمر إليه، وهو الذي لقبه " الرضا "، وضرب الدراهم باسمه، وزوجه ابنته، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك السواد، ولبس الخضرة (1).
هذا وكان الخليفة المأمون يحرص على حضور جنائز رؤساء العلويين، مثل " يحيى بن الحسين بن زيد " الذي صلى عليه بنفسه، ورأى الناس عليه من الحزن والكآبة ما تعجبوا منه، على حين أرسل أخاه " صالحا " لينوب عنه في جنازة أحد العباسيين الأقرباء، وقد مات بعد " يحيى " بقليل، فلما عزى صالح أم المتوفى - وهي زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، ابنة عم الخليفة المنصور - وكانت لها عند العباسيين هيبة ومنزلة عظيمة، واعتذر عن تخلفه عن الصلاة عليه، ظهر غضبها، وقالت لحفيدها: تقدم فصل على أبيك، وتمثلت بقول الشاعر:
سبكناه ونحسبه لجينا * فأبدى الكير عن خبث الحديد ثم قالت لصالح: قل له يا ابن مراجل، أما لو كان يحيى بن الحسين بن زيد " لوضعت ذيلك على فيك، وعدوت خلف جنازته ".
وحين مات " محمد بن جعفر " - وكان قد أرسل إلى خراسان بعد خروجه على المأمون - دخل المأمون بين عمودي السرير، فحمله حتى وضعه في لحده، وقال: هذه رحم مجوفة منذ مائتي سنة، وقضى دينه، وكان عليه نحو ثلاثين ألف دينار.
ويرى بعض الباحثين أن المأمون - كما سنرى - إنما كان يفضل الإمام