على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا عليهم، ومهيمنا، وأنزل عليه كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، الرسالة، جعل قوام الدين، ونظام المسلمين في الخلاقة ونظامها، والقيام بشرائعها وأحكامها ".
" ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، وحمل مشاقها، وخبر مرارة طعمها، وذاقها مسهرا لعينيه، منصبا لبدنه، مطيلا لفكره، فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة، وجمع الكلمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، منعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى، مناصحا له في دينه، وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الأمة من بعده، أفضل من يقدر عليه، في دينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا لله تعالى، بالاستخارة في ذلك، ومسألته الهامة، ما فيه رضاه وطاعته، في آناء ليله ونهاره، معملا فكره ونظره في طلبه والتماسه، في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة ممن خفي عليه أمره، جهده وطاقته، حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة ".
وكانت خبرته - بعد استخارة الله تعالى - وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في الفئتين جميعا: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر والشائع، وزهده الخالص النافع، وتخليه عن الدنيا، وتفرده عن الناس، وقد استبان له منذ لم تزل الأخبار عليه منطبقة، والألسنة عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة، ولما لم يزل يعرف به من الفضل، يافعا وناشئا، وحدثا وكهلا، فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من