المأمون السم للإمام الرضا، ولكن المأمون كان قد أفاد من أخطاء أبيه الرشيد، الذي جاهر بالعداء لأهل البيت، وسجن الإمام الكاظم علنا، ثم اغتاله بأسلوب يدينه، وأفاد المأمون من أخطاء أبيه، فأحكم الخطط، لإخفاء جرائمه وآثامه، وقصته مع الإمام الرضا - كما سنرى - تدل على ذلك بوضوح.
وروي أن الخليفة المأمون اجتمع بالإمام علي الرضا، وقال له: رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك.
قال الرضا: إن كانت الخلافة حقا لك، وأنت أهل لها، فلا يجوز أن تخلع نفسك منها، وإن لم يكن لك حق بها، فلا يجوز أن تعطيها لغيرك.
قال المأمون: لا بد لك من قبول هذا الأمر.
قال الرضا: إني بالعبودية (لله) أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالردع عن محارم الله، أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع أرجو الرفعة عند الله.
قال المأمون: إن لم تقبل الخلافة فكن ولي عهدي.
قال الرضا: لست أفعل ذلك مختارا أبدا.
قال المأمون: إنك تريد بهذا أن يقول الناس عنك، أنك زاهد في الدنيا.
قال الرضا: والله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لأعلم ما تريد.
قال المأمون: وما أريد، قال الرضا: تريد أن يقول الناس: إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد، حين أتيحت له الفرصة.
فغضب المأمون، وقال: والله إن لم تقبل ضربت عنقك.
قال الرضا: إن الله سبحانه قد نهاني أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان