شيئا، فكانت هذه منة في أعناقنا، حتى كافأته في ولده بما فعلت (1).
والمأمون حين قال ذلك، وحين كتب وصيته، وحين أخذ المواثيق على أخيه المعتصم - وهو يحتضر - كان بعيدا عن تأثير " الفضل بن سهل "، بعد أن قضى الأخير نحبه منذ زمن طويل، وإن كان اعتقاده - مع ذلك - لا يخلو من تأثير قديم، صحب نشأته.
على أن هناك وجها آخر للنظر، يذهب أصحابه إلى أن التشيع إنما كان قد انتشر في عهد المأمون - فضلا عن عهد أبيه من قبله - حتى امتدت جذوره إلى البلاط الملكي، فكان الفضل بن سهل، ذو الرياستين، وزير المأمون شيعيا، وكذلك كان " طاهر بن الحسين الخزاعي " قائد المأمون، الذي فتح له بغداد، وقتل أخاه الأمين (193 - 198 ه - / 808 - 813 م) وكثير سواهما، كانوا شيعة، حتى أن المأمون خشي عاقبة هذين الرجلين، فقتل الفضل، وولى طاهرا إمارة هرات - أي عزله عن قيادة الجيش إلى وظيفة أدنى - وكانت الطاهرية كلها تتشيع - كما قال ابن الأثير في حوادث عام 250 ه (2).
وجاء المأمون إلى الحكم، ورأى ما رأى من كثرة الشيعة، وإقبال الناس على الإمام الرضا، ونقمتهم على أبيه، والحاكمين من أسلافه، فحاول أن يداهن، ويستميل الرأي العام، فأظهر التشيع كذبا ونفاقا، وأخذ يدافع ويناظر عن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر، وهو لا يؤمن بشئ إلا بتثبيت ملكه، وتوطيد سلطانه، والغريب أن حيل المأمون قد انطلت على كثير من الشيعة، فظنوا به خيرا.
والحقيقة أن الرشيد والمأمون قد بنيا على أساس واحد، وهو الاحتفاظ بالسلطة، وإن اختلف شكل البناء، فلقد دس الرشيد السم للإمام الكاظم، ودس