الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ١ - الصفحة ٣٨٢
ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء، أبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلاء حسنا "، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ، فهو الذي أثار الفتنة التي أدت إلى قتل عثمان، ثم هو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الالتحام، على حين غفلة من علي وطلحة والزبير، ولم يكن أحد منهم يدري أنه سيكون قتال، هذا في التاريخ السياسي.
وأما في التاريخ الفكري، فعلى عاتق ابن سبأ يقع أكبر انشقاق عقائدي بظهور الشيعية. هذا هو تفسير مبالغة كتاب الفرق وأصحاب المذاهب - لا سيما السلفيين والمؤرخين - في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ، ولكن أليس عجبا " أيضا "، أن يعبث دخيل في الإسلام، كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي معا " على النحو الذي تم عليه، وكبار الصحابة شهود (1)؟.
على أن هناك اتجاها " جديدا " - كما قلنا آنفا " - في ابن سبأ هذا، إنما هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر، حيث شوه أعداؤه - وأعداء الإمام علي وآل البيت من قبله - صورته، فصوروه في صورة شخص سئ، دعوه عبد الله بن سبأ، ثم حمل النواصب من أعداء أهل بيت النبوة، ابن سبأ، - تلك الشخصية الوهمية - تلك العقائد التي انتشرت في كتب العقائد، والتي لعنها أهل السنة والجماعة، كما لعنها الشيعة (2).
ويقول الأستاذ الدكتور النشار: ومن المتحمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنها رمزت إلى شخصية عمار بن ياسر، كما فعل الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، وقد كانت كنية أبي تراب، إحدى كنى الإمام علي (3)، وخدع معاوية الطليق، و الأمويون معه

(١) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية - القاهرة ١٩٦٩ ص ٣٩ - ٤٠.
(٢) أنظر: علي الوردي: وعاظ السلاطين - بغداد ١٩٥٤ ص ٢٧٤ - ٢٧٨، كامل مصطفى الشيبي:
الصلة بين التصوف والتشيع ١ / ٣٦ - ٤٠ (بغداد ١٩٦٤).
(٣) روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي حازم عن سهل بن سعد (ابن وقاص) قال: أستعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا "، فأبي سهل، فقال له:
أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأنه كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته: لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا " في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني وبينه شئ فغاضبني، فخرج فلم يقل عندي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: أنظر أين هو، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب (صحيح مسلم ١٥ / ١٨١ - ١٨٢).
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن عمار بن ياسر: قال: كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بها، رأينا ناسا " من بني مدلج يعلمون في عين لهم في نخل، فقال لي علي: يا أبا اليقظان: هل لك أن تأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟
فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في رقعاء من التراب، فنمنا، فوالله ما أهبنا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك التراب، قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين، فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته - (الإمام ابن حنبل: فضائل الصحابة ٢ / ٦٨٦ - ٦٨٧، التهذيب ٩ / 147، 148، مسند الإمام أحمد 4 / 263).
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست