قد اخترع بالأحرى حين كان الجدل بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا " يهوديا "، إمعانا " في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندا " إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب الإمام علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه، ويكفر من مال إليه، أو شارك فيه.
ولكننا لا نرى لابن السوداء ذكرا " في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين، وعن نشأة حزب المحكمة.
ثم يعلل الدكتور طه حسين الأمرين بعلة واحدة، وهي أن ابن السوداء لم يكن إلا وهما "، وإن وجد بالفعل، فلم يكن ذا خطر، كالذي صوره المؤرخون، وصوروا نشاطه أيام عثمان، وفي العام الأول من خلافة الإمام علي، وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم، ولم يدخروه للخوارج، لأن الخوارج لم يكونوا من الجماعة، ولم يكن لهم مطمع في الخلافة، ولا في الملك، وإنما كانوا حزبا " باقيا " متصلا "، عظيم الخطر، ولا سيما بعد أن انقضى عصر بني أمية، وإنما ضعف أمرهم، وفل حدهم، بعد أن تقدم الزمان بدولة بني العباس، وبقي مذهبهم معروفا " بين المتكلمين، ولكنه اتخذ في الحياة العلمية أطوارا " مختلفة. ومن ثم فهم لم يكونوا إذا " حزبا " تحتاج خصومته إلى الجدل الشديد المتكلف، الذي يبغضهم إلى الناس، ويزهد فيهم أصحاب التقى والورع، كما كان أمر الشيعة الذين ظلوا ينازعون الملوك والخلفاء سياسة المسلمين (1).