التحقيق الحديث قد أظهر أن هذا استباق للحوادث، وأنه صورة مثل بها في الماضي، وتخيلها محدثو القرن الثاني للهجرة، من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذ، هذا وقد أظهر فلهاوزن وفريد ليندر، بعد دراسة للمصادر، دراسة نقدية، أن المؤامرة والدعوة المنسوبتين إلى ابن سبأ من اختلاق المتأخرين.
هذا وقد بين كيتاني أن مؤامرة مثل هذه، وبهذا التفكير، وهذا التنظيم، لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام 35 ه، بنظامه القبلي القائم على سلطان الأبوة، وأنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء، فلقد اقتضى قتل الإمام علي، واستشهاد الإمام الحسين بن علي وآل بيته وأنصاره في كربلاء، بصورة لم يشهدها التاريخ من قبل، حدوث تبدل اجتماعي كبير، قبل أن يمكن ظهور التشيع الثوري ذي الصبغة المهدوية (1).
ولعل كل هذا إنما دعا بعض العلماء - من الشيعة والسنة - إلى إنكار وجود عبد الله بن سبأ - كحقيقة تاريخية، يقول الأستاذ الدكتور طه حسين:
الغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا ابن سبأ والسبئية نسيانا " تاما "، أو أهملوها إهمالا " كاملا "، حين رووا حرب صفين، فابن السوداء لم يخرج مع الإمام علي إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه، ولكنهم كانوا أنصح له، وأوفى الناس بعهده، وأطوع الناس لأمره، لم يأتمروا ولم يسعوا إلى الفساد بين الخصمين، وإنما سمعوا وأطاعوا، وأخلصوا الإخلاص كله، حتى إذا رفعت المصاحف خرج بعضهم مع الحكمة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها، كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة الإمام علي، وإن أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالأشتر.
وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية، وعن ابن السوداء في حرب صفين، أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء، إنما كان متكلفا " منحولا "،