الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ١ - الصفحة ٣٧١
وكتب لمروان بخمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ المال، واستلف من بيت المال.
وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه، وعن أم بكر بنت المسور عن أبيها عن أبيها قال: سمعت عثمان يقول: أيها الناس، إن أبا بكر وعمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما وإني تأولت فيه صلة رحمي (1).
ومن عجب أن صلة رحم عثمان بأهله وبره بهم، إنما كانت من الأسباب التي أدت إلى تغيير مجرى الأحداث، حتى انتهت بقتله شهيدا " بين يدي كتاب الله، فلقد استغل بنو أمية أدب ذي النورين في صلة رحمه، أسوأ استغلال، فكان عثمان - وهو القانت ذو النورين - يصوم الدهر، وما يكاد يشبع من طعام، ثم يمنح أبا سفيان مائتي ألف دينار (2)، ويسمح لأعوانه أن يتخذوا

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٤٤ (دار التحرير - القاهرة ١٩٦٩).
(٢) ليس صحيحا " ما ذهبت إليه بعض المراجع عن غنى أبي سفيان وثروته الطائلة من التجارة على أيام الجاهلية وأول الإسلام، ودليلنا أن ولده معاوية بن أبي سفيان كان على أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقيرا " وربما معدما "، وقد روى أهل الفقه والحديث والمغازي وأصحاب الطبقات ما يدل على ذلك في قصة فاطمة بنت قيس، حيث روى الأئمة مالك ومسلم وأبو داود وابن قيم الجوزية وابن سعد وابن الأثير وابن حجر العسقلاني، واللفظ هنا للإمام مالك، حيث يروي في الموطأ (باب ما جاء في نفقة المطلقة) بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة - وهو غائب بالشام - فأرسل إليها وكيلة بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شئ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتد عند عبد الله بن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت فأذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له: أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم بن هشام، خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك، لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله في ذلك خيرا "، واغتبطت به (الموطأ ص ٣٥٨ - ٣٥٩، صحيح مسلم ١٠ / ٩٤ - ٩٨، سنن أبي داود ١ / ٥٣١ - ٥٣٢، ابن الأثير: أسد الغابة ٧ / ٢٣٠، ابن حجر:
الإصابة في معرفة الصحابة ٣ / ٤٩٧ - ٤٩٨، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد ٥ / ١٨٥ - ١٨٦، ابن سعد: الطبقات الكبرى ٨ / ٢٠٠.
وروى الطبري وابن الأثير وابن أبي الحديد بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه قالوا: إن هند ابنة عتبة قامت إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فاستقرضته من بيت المال أربعة آلاف درهم، تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت فيها إلى بلاد كلب، فاشترت وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية (وكان أميرا " في الشام) فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية - وكان أبو سفيان قد طلقها، قال: ما أقدمك أي أمة؟ قالت النظر إليك أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شئ، وأهل ذلك هو، فلا يعلم الناس من أين أعطيته فيؤنبونك، عمر، فلا يستقيلها أبدا "، فبعث إلى أبيه وأخيه بمائة دينار، وكساهما و حملهما، فتعظمها عمر، فقال أبو سفيان: لا تعظمها، فإنه عطاء لم تغب عنه هند، ومشورة قد حضرتها هند، ورجعوا جميعا "، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟
فقالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة، فلما أتت المدينة وباعت شكت الوضيعة، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، هذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه، فحبسه حتى أوفته، وقال لأبي سفيان: بكم أجازك معاوية، فقال: بمائة دينار (تاريخ الطبري ٤ / ٢٢١، ابن الأثير: الكامل في التاريخ ٣ / ٦٢، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ١٢ / 98).
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 7
2 الرأي الأول: أهل البيت: أزواج النبي 12
3 الرأي الثاني: أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة 16
4 الرأي الثالث: أهل البيت: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين 17
5 الباب الأول 27
6 أولا ": الإمامة 27
7 ثانيا ": حكم الإمامة 30
8 ثالثا ": اختيار الإمام 50
9 رابعا ": شروط الإمام 62
10 خامسا ": عقد الإمامة 76
11 1 - الطريق الأول: البيعة 88
12 2 - الطريق الثاني: العهد 92
13 3 - الطريق الثالث: القهر والاستيلاء 96
14 سادسا ": طاعة الإمام 97
15 سابعا ": حقوق الإمام وواجباته 118
16 ثامنا ": ألقاب الإمام أو الخليفة 124
17 1 - الخليفة 126
18 2 - أمير المؤمنين 128
19 3 - الإمام 131
20 4 - الملك 132
21 تاسعا ": إمامة المفضول 151
22 عاشرا ": الإمامة عند الشيعة الإمامية 168
23 1 - العصمة: 186
24 2 - التقية: 207
25 1 - التقية في القرآن 208
26 2 - التقية في السنة 213
27 3 - التقية في الدليل العقلي 223
28 4 - التقية عند الخوارج 229
29 5 - التقية عند الشيعة 232
30 6 - التقية عند أهل السنة 241
31 3 - الرجعة 248
32 4 - المهدي 250
33 5 - البداء 263
34 6 - الجفر 265
35 7 - مصحف فاطمة 268
36 الباب الثاني: التشيع: بدايته وأصوله 275
37 1 - التشيع: أسبابه وبدايته 275
38 أولا ": منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم: 280
39 1 - عمار بن ياسر 288
40 2 - أبو ذر الغفاري 298
41 3 - سلمان الفارسي 314
42 ثانيا ": يوم وفاة الرسول 335
43 1 - وجهة نظر الأنصار 335
44 2 - وجهة نظر المهاجرين 336
45 3 - وجهة نظر بني هاشم 337
46 ثالثا ": منذ قصة الشورى 356
47 رابعا ": منذ أخريات أيام عثمان 373
48 خامسا ": منذ وقعة الجمل 384
49 سادسا ": منذ التحكيم 391
50 سابعا ": في أعقاب مأساة كربلاء 402
51 2 - أصل التشيع 412
52 3 - أسباب التشيع 428
53 المراجع المختارة 431
54 أولا ": المراجع العربية 431
55 كتب التفسير 434
56 ثانيا ": المراجع المترجمة 459
57 ثالثا ": المعاجم ودوائر المعارف 460