حين يصور هذه الفتن في عهدها الأول، وأي شئ أيسر من أن يكذب أهل الشام على أهل العراق، وأن يكذب أهل العراق على أهل الشام، ولا سيما بعد أن يمضي الزمن ويبعد العهد، ويصبح التحقيق في الوقائع الصحيحة عسيرا ".
ولا ريب في أن الذين استباحوا لأنفسهم أن يضعوا الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا يتحرجون من أن يستبيحوا لأنفسهم وضع الأخبار على أهل العراق والشام (1).
هذا وقد أصدر الأستاذ مرتضى العسكري - عميد كلية أصول الدين بالعراق - كتابا " ذهب فيه إلى أن عبد الله بن سبأ أسطورة خلقها وضاع اسمه سيف بن عمر (توفي بعد عام 170 ه) واستدل على ذلك بمواقف متعددة كانت الرواية فيها عن سيف تختلف عن الرواية عن سواه، ثم أبرز المؤلف في رواياته صورا " من الانحراف (2).
هذا وقد تحدثنا من قبل - عند الحديث عن عمار بن ياسر - إلى الرأي الذي نادى به الأستاذ الدكتور علي الوردي، وهو أن الصحابي الجليل - عمار بن ياسر - إنما قد شوه أعداؤه صورته، فصوروه في صورة شخص سئ دعوه عبد الله بن سبأ ثم قدم عديدا " من الأدلة على ذلك، دعمها الأستاذ الدكتور الشيبي، بأدلة أخرى.
وعلى أية حال - وكما يقول الدكتور طه حسين - فإن البلاذري لا يذكر ابن السوداء وأصحابه في شئ من الفتنة أيام عثمان وعلي، رضوان الله عليهما، والطبري، ورواته الذين أخذ عنهم، والمؤرخون الذين أخذوا عنه فيما بعد، يذكرون ابن السوداء وأصحابه في أمر الفتنة أيام عثمان، وفي العام الأول من أيام علي، ثم ينسونهم بعد ذلك، والمحدثون وأصحاب الجدل متفقون مع