هذا وربما يقول البعض: إن الإمام علي لم يتعهد لعبد الرحمن - كما تعهد عثمان - بأن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين - أبي بكر وعمر - من بعده، وإنما قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، والحق أن جواب الإمام علي جواب حكيم، ولا يدل أبدا " على أنه يعدل عنهما، وإنما يدل على أنه يعمل جهد طاقته، ولا يقول ذلك في الغالب الأعم، إلا عالم متواضع، وليس الإمام علي هو الذي يشك في أنه سيقود السفينة - التي بدأت الأمواج والرياح تأخذ بها من كل جانب - إلى بر الأمان.
على أن الدكتور جمال سرور، من ناحية أخرى، إنما يذهب إلى أن طلب عبد الرحمن من الإمام علي، أن يتعهد بأن يسير بسيرة الخليفتين - أبي بكر وعمر - وهو يعلم أن عليا " لا يرضى أن يتقيد بسياستهما، إنما أراد أن يحرجه، ليفسح المجال لاختيار عثمان، وسرعان ما تحقق غرضه، فقد تحرج الإمام علي من أن يعطي هذا العهد خشية أن تضطره الظروف إلى عدم الوفاء به، وعبر عن رفضه له بقوله: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، وفي رواية:
أرجو أن أفعل، فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ثم دعا عبد الرحمن عثمان، وقال له مثل ما قال لعلي، فقال عثمان: اللهم نعم، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد، ويده في يد عثمان، ثم قال: اللهم اسمع واشهد، إني جعلت ما في رقبتي في رقبة عثمان، فازدحم الناس على عثمان يبايعونه.
وهكذا كان انتخاب عثمان مصطبغا " بصبغة التحيز للأمويين، وقد وجدت هذه النتيجة - من أول الأمر - معارضة من الهاشميين، فضلا " عن أهل الورع والسبق في الإسلام، مثل سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وغيرهم من رواد شيعة الإمام، حتى ذهب البعض إلى أن التشيع إنما بدأ منذ تلك اللحظة.
هذا ويذهب الدكتور أحمد صبحي (1) إلى أن عبد الرحمن بن عوف قد بنى