بل، وإذا اشتد المانع تجافى الشفيع عن الشفاعة.
وربما ينقلب الشفيع خصيما، كما في سورة نوح قوله تعالى: (رب إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)، وهذا معنى قوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وقوله: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)، فمتى صح الإذن صحت الشفاعة، ومتى لم يأت الإذن تقع الشفاعة لغوا، والطلب من المشفع له باطلا.
وهذا لا دخل له بحديث الشرك وتضمن بعض الآيات غايتها الدالة على أن العبادة للشفيع بإزاء شفاعته يكون شركا باطلا، لا أن جعل الشفيع يكون كفرا وارتدادا.
بل يكون أمرا راجحا يحكم به ضرورة العقل، فضلا عن الشرع، كما سيجئ بيانه في المقام الثاني.
(استدلال آخر لنفي الشفاعة) وأما الجواب عن (استدلاله ب) قوله تعالى في سورة مريم: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا).
فليس في ظاهر الآية أن المقصود منها خصوص أن المجرمين لا يملكون الشفاعة لغيرهم، أو خصوص أنهم لا يملكون شفاعة غيرهم لهم.
لأن المصدر كما يجوز ويحسن إضافته إلى الفاعل، كذلك يجوز ويحسن إضافته إلى المفعول.
إلا أن نقول: إن حمل الآية على الوجه الثاني أولى، لأن حملها على الوجه الأول يجري مجرى إيضاح الواضحات، فإن كل أحد يعلم أن المجرمين الذين يساقون إلى جهنم وردا، لا يملكون الشفاعة لغيرهم، فتعين حملها على الوجه الثاني.