ليقصر بعضنا على بعض السفر فنزلت الآية. وذكر نحوه الواحدي في أسباب النزول عن قتادة وأنهم قالوا يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب وذكر الواحدي أيضا عن زيد بن أسلم ومحمد بن وهب إن رجلا من المنافقين قال في غزوة تبوك ما رأيت مثل هؤلاء يعني النبي " ص " وأصحابه ارغب بطونا ولا أكذب السنا ولا أجبن عند اللقاء فأخبر النبي " ص " فاعتذر القائل بأنا كنا نخوض ونلعب فنزلت الآية " انتهى " أبهؤلاء يقاس المسلمون المتشفعون إلى الله تعالى بنبيه صاحب الشفاعة عنده. ثم يتبجح بقول: تأمل هذه الشبهة ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق. وهو كما عرفت لم يأت بجواب ولا شبه جواب وكذا استشهاده بحلف النبي (ص) أن قول بعض الصحابة له اجعل لنا ذات أنواط نظير قول بني إسرائيل اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لا محل له ولا فائدة فيه ومن الذي يشك في أن اتخاذ شجرة تناط بها الأسلحة وتعبد كما تعبد الأصنام هو نظير عبادة بني إسرائيل للأصنام وطلب بعض الصحابة ذلك من النبي (ص) هو نظير طلب قوم موسى منه ولكن هذا لا يثبت أن الاستغاثة والاستشفاع بالنبي (ص) نظير عبادة الأصنام.
وأما جوابه عن قصة أسامة وتنظيره باليهود وبني حنيفة والذين حرقهم علي بن أبي طالب والخوارج فهو مبني على الأساس الفاسد الذي أسسه من جعل الاستشفاع والتوسل بالصالحين عبادة لهم وشركا فلا ينفع معها قول لا إله إلا الله وحيث عرفت فساد هذا الأساس تعرف فساد ما بني عليه وتعرف إن من وصفهم بأعداء الله وهو أحق بهذا الوصف منهم قد فهموا معنى الأحاديث وأفنوا أعمارهم في فهمها ودراستها وأنها تدل على أن من قال لا إله إلا الله حرم دمه إلا أن يثبت خروجه عن الإسلام بيقين ولا يجوز تكفيره واستحلال دمه بمجرد الظن والتخمين فاليهود أنكروا نبوة عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وجميع شرائع الإسلام (وبنو حنيفة) الذين قتلهم خالد اعتل لقتلهم بمنع الزكاة التي وجوبها من ضروريات الدين التي يكفر منكرها والذين اتبعوا مسيلمة ادعوا فيه النبوة وارتدوا عن الإسلام. وجعله المسلمين أشد كفرا منهم باعتبار أن أولئك ادعوا النبوة في مسيلمة والمسلمون رفعوا المخلوقين إلى درجة الإلهية بسبب استغاثتهم وتشفعهم بهم من السخافة بمكان لما عرفت ولما هو أوضح من الشمس في رائعة النهار من أن استغاثة المسلمين واستشافعهم بذوي المكانة عنده تعالى وجميع ما يفعلونه ليس فيه شائبة