موجبة لجحود التوحيد وللرفع في مرتبة جبار السماوات والأرض كما زعم وقد تبين بما شرحناه وأوضحناه في هذا المقام وغيره وفي الفصول المختصة بتلك الأمور أنه ليس فيها شئ مما ينافي التوحيد ولا توجب رفع مخلوق إلى رتبة جبار السماوات والأرض ولا تخرج عن طلب الدعاء ممن يرجى من الله إجابة دعائه لنا لما له من المنزلة عنده بإخلاصه في عبوديته. ولما قاس الوهابيون حال المسلمين المستغيثين بالصالحين على حال مشركي قريش فقالوا إن كليهما أقر بتوحيد الربوبية ولكنه تشفع واستغاث وتوسل بالمخلوقين فلم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية وإن النبي " ص " لم يقاتل عبدة الأوثان إلا على استشفاعهم بغير الله رجلا صالحا أو غيره فدل ذلك على أن الاستشفاع عبادة وعبادة غير الله شرك كما صرح به ابن عبد الوهاب في كلماته السابقة، توجه عليهم حينئذ اعتراض بعض أهل الأحساء بأن هذا قياس مع الفارق: فمشركوا قريش لا يشهدون الشهادتين ويكذبون الرسل والقرآن وينكرون البعث، وهذا هو الذي أوجب كفرهم وأحل قتالهم، ونحن نقر بذلك كله، فبطل القياس، نعم لو كان الصادر من الأولين مجرد الاستغاثة والاستشفاع وتعظيم القبور كان القياس صحيحا، ولكن الصادر منهم غير ذلك مما يوجب الكفر والشرك، ولا ينفع الجواب بأن من صدق الرسول في شئ وكذبه في شئ كفر، الذي لا ينكره أحد.
ومن ذلك تعلم أن قوله: سبحان الله ما أعجب هذا الجهل، لا ينطبق إلا عليه خاصة.
وأن قوله: كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون، ليس أحد أولى به منه.
ومع كون الشواهد التي استشهد بها وأطال بذكرها لا حاجة إليها بل هي تطويل بلا طائل أكثرها غير صحيح في نفسه كدعواه إن الفاطميين المصريين بني عبيد قد أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وإن بلادهم بلاد حرب، فإنه، ادعاء باطل وافتراء على العلماء، ولو كان ذلك صحيحا لتمسك به أعداؤهم خلفاء بني العباس وجعلوه من أعظم الحجج لهم فأخذوا فتاوى العلماء بذلك، ولو وقع ذلك لشاع وذاع ولذكره أهل السير والتواريخ ونقلة الأخبار مع أنه ليس له في كتبهم عين ولا أثر، ولما كان بنو العباس يعدلون عنه إلى كتابة محضر بعدم صحة نسبهم فقط، شهد فيه جماعة من العلماء خوفا على أنفسهم وامتنع من الشهادة الشريف الرضي، وقصته في ذلك مع القادر العباسي مشهورة ذكرها المؤرخون.
ولا شئ أطرف من قوله: وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلاء