المسلمين، فإنا لا نعلم أحدا من المسلمين غزاهم، وهذه كتب التواريخ شاهدة بذلك وإنما استنجد آخر خلفائهم الملقب العاضد بنور الدين ملك الشام لما خاف على بلاده من الإفرنج، فأرسل إليه صلاح الدين الأيوبي، فكان انقراض دولتهم على يده بدون حرب ولا قتال ولا غزو بل على عادة الملوك في تغلبهم على ملك غيرهم إذا أنسوا منهم ضعفا، كما تغلب صلاح الدين على ملك مصر وخرج عن طاعة نور الدين مع أنه هو الذي أرسله وكان بمنزلة العامل عنده، ثم تغلب صلاح الدين على الشام بعد موت نور الدين وطرد ولده من الملك. وخبر ذلك في التواريخ مشهور، أفهذه أدلة محمد بن عبد الوهاب وهذا مبلغ علمه بالتاريخ؟!
وقوله: غزاهم المسلمون طريف جدا فإنه مناف لتكفير الوهابية المسلمين وإشراكهم إياهم فإن المسلمين في عصر الفاطميين المصرين مثلهم في عصر الوهابيين لا يزيدون عنهم بشئ فقد كانوا في ذلك العصر يبنون القباب على القبور ويعظمونها ويتشفعون بالصالحين، فإن كان هؤلاء مشركين فأولئك مشركون، ولم يكن في عصر الفاطميين وهابية يغزون فكيف سماهم مسلمين. وهذا كقول صاحب المنار: أيها المسلمون. مع تصويبه اعتقاد الوهابية فيهم كما بيناه في غير هذا الموضع. ولكن هؤلاء عند حاجتهم للمسلمين يعترفون بإسلامهم وإذا استغنوا عن ذلك كفروهم وأشركوهم. نعم إن المسلمين أجمعوا على ضلالة الوهابيين وخروجهم من الجماعة وقتالهم وغزاهم المسلمون بأمر خليفة الإسلام حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين كما فصلناه في تاريخهم، فإن كان ذلك دليلا على الكفر الارتداد فهو دال على كفر الوهابية وخروجهم من الدين، كما أنك قد عرفت في الباب الأول أقوال العلماء في حق ابن تيمية قدوة الوهابية وباذر بذور مذهبهم وأول من زقا بالقول بالتجسيم وصنف فيه. فإجماع العلماء قائم على ضد قول ابن عبد الوهاب لا معه مع أنه لا قيمة لإجماع العلماء عنده وإن تظاهر بالتمسك به. أما قوله: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسل وغير ذلك، فما معنى ذكر العلماء باب المرتد الخ: ففيه كما مر أن المعترض لم يقل إن الأولين لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين هذه الأشياء بحيث لو نقص واحد منها لم يكفروا وأنه ليس شئ سواها مكفرا بل لما قاس الوهابية حال المسلمين اليوم على حال مشركي قريش توجه عليهم الاعتراض بأن هذا قياس مع الفارق كما عرفت. نعم لو كان الصادر من الأولين مجرد الاستغاثة والتوسل والاستشفاع وتعظيم القبور كان القياس صحيحا ولكن الصادر منهم غير ذلك مما يوجب التكفير فلم يبق في ذلك دلالة على أن الاستشفاع ونحوه موجب للكفر وحينئذ فاستشهاده