يذكر العلماء باب المرتد تطويل بلا طائل كما عرفت لعدم إنكار أحد إمكان حصول الارتداد مع الاقرار بالشهادتين إنما الكلام في أن المتنازع فيه هو موجب للارتداد أم لا وهذا لا ينفع فيه ذكر العلماء باب المرتد. على أن جميع علماء المذاهب الذين ذكروا باب المرتد وبينوا ما يوجب الارتداد لم يذكروا من جملته الاستغاثة والاستشفاع بالصالحين فدل على إجماعهم على أنه ليس موجبا للارتداد وبطل بذلك زعم الوهابية. فما استشهد به شاهد عليه لا له. قوله: مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه. أقول: الذي ذكره علماء المذاهب في باب المرتد إن من تكلم بكلمة الكفر كقوله الله ثالث ثلاثة استهزاء أو عنادا كفر (1) لا مطلق من قالها كما يقتضيه إطلاق كلامه قصدا لتهوين أمر الارتداد. قوله: أو على وجه المزح واللعب ستعرف مما يأتي بعده شرح ذلك ورده وأنه خيانة في النقل وتدليس.
ومن الغريب قوله بأن الذين نزل فيهم يحلفون بالله ما قالوا (الآية) كفرهم الله بكلمة مع أنهم في زمن الرسول (ص) يجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون فإن هذه الآية مع كونها كغيرها من استشهاداته لا حاجة إلى الاستشهاد بها كما عرفت نزلت في المنافقين. ففي أسباب النزول للواحدي قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله (ص) إلى تبوك وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله (ص) وأصحابه وطعنوا في الدين فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله (ص) فقال (ص) يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذابا لهم وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا من جهينة ورجلا من غفار اقتتلا فظهر الغفاري على الجهني فنادى عبد الله بن أبي يا بني الأوس انصروا أخاكم فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأخبر النبي (ص) فأرسل إليه فجعل يحلف بالله ما قال فنزلت الآية " انتهى " وفي الكشاف أقام رسول الله (ص) في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمع من معه منهم الجلاس بن سويد فقال الجلاس والله لئن كان ما يقول محمد حقا لإخواننا الذين خلفانهم وهم سادتنا وأشرافنا فنحن شر من الحمير فقال له عامر بن قيس الأنصاري أجل والله إن محمدا لصادق