بل رأسها وأساسها الاعتقاد وقد حصل في قلوبهم ذلك بل يسمونه معتقدا ويصنعون له ما سمعت مما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم وندائهم والتوسل بهم والاستغاثة والاستعانة والحلف والنذر وغير ذلك وقد ذكر العلماء أن من تزيا بزي الكفار صار كافرا ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافرا فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقادا وقولا وفعلا " انتهى ".
والجواب: إن تقسيمه التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد العبادة تطويل بدون طائل فإنه لا شك في وجوب توحيد الباري تعالى في ذاته وصفاته وعبادته وجميع ما هو من لوازم الربوبية وصفات الكمال ونفي صفات النقص عنه ولا يحتاج إلى كل هذا التطويل والتكرير الذي اعتادوه ولا إلى إلى إكثار الشواهد القرآنية عليه ولا إلى الاستشهاد بإياك نعبد وأمثالها وإنما الذي ينفع بيان ما هي العبادة التي لا تليق بغير الله وإذا فعلت لغيره توجب الشرك والكفر هل هي مطلق التعظيم والخضوع والنداء والدعاء والاستعانة والاستغاثة والتشفع والتوسل والنذر والذبح والنحر وغير ذلك ليكون ما يفعله المسلمون داخلا فيها أو عبادة خاصة وهم لم يأتوا على أن ما يفعله المسلمون داخل في ذلك ببينة ولا برهان بل البرهان على خلافه قائم لما بيناه مرارا عند الكلام على هذه الأمور إجمالا وتفصيلا من أن مطلقها ليس ممنوعا فضلا عن كونه كفرا وشركا وأن تعظيم من هو عظيم عند الله والخضوع له والاستغاثة والتشفع والتوسل بمن جعله الله مغيثا شافعا وجعل له الوسيلة كلها عبادة لله وأن النذر والذبح والنحر الذي يفعله المسلمون هو لله تعالى وعباده وطاعة له فجميع هذه الأمور سواء سميت عبادة أو لا لا تعد شركا ولا كفرا لأن الممنوع منه الموجب للشرك هي عبادة خاصة وهي ما كان عن غير أمر الله أو عنادا له أو بقصد الاستحقاق الذاتي كاستحقاق الله أو نحو ذلك مع أن قوله إن جميع الرسل بعثوا لتقرير توحيد الربوبية والدعاء إلى توحيد العبادة ولم يبعثوا للدعاء إلى توحيد الربوبية جهل محض فإن الأمم التي بعثت إليها الرسل منها من كان يعتقد في عيسى الإلهية ويثبت له جميع صفاتها كما مر في رد كلام ابن عبد الوهاب فكيف يقول إن جميع من بعثت إليهم الرسل موحدون بتوحيد الربوبية، ومنه يعلم فساد قوله إن من اتخذوا المسيح وأمه لم يتخذوهم لأنهم أشركوهم في الخلق بل لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى ومنها من كان ينكر الله تعالى وينكر البعث وهم الذين قالوا كما حكى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر، ففي تفسير الطبري يقول الله مخبرا عن هؤلاء