ونحن لا نمدح ولا نحب إلا من أحبه عالي وأمرنا بحبه.
ثم قال الشيخ:
" والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار " انتهى.
وأقول قد اعتاد بعض من كمن في سويداء قلبه بغض مولى المؤمنين على أن يتبع ذكر كل منقبة من مناقب علي لا يستطيع جحدها بما يشوهها أو يوهم مساواة غيره له فيها حسدا من عند أنفسهم ولو بأن يكذبوا ويخترعوا أو ينقلوا ما يعرفون بطلانه أو ضعفه. كثر هذا حتى صار من ليس مثلهم في مرض القلب يتبعهم في صنيعهم هذا هيبة للانفراد، أو احتراسا عن أن ينبز بالرفض، أو انقيادا للتقليد، أو بلها أو غفلة. ولعل الحامل للشيخ على ما ذكره هنا بعض هذا.
ثم إني أقول كما قال النبي في الحديث الصحيح " اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولا بناء أبناء الأنصار " فقد آووا ونصروا واستؤثر عليهم وقتلوا مع النبي ثم مع أهل البتي، وادخر الله لهم أجرهم عنده فلا عجب إن شاركوا عليا في هذه المنقبة. ولا يلزم من مشاركتهم له في أن بغضهم من علامات النفاق مساواتهم له في الفضل ولا يغض من عالي مقامه كرم الله وجهه مشاركتهم رضي الله عنهم له في هذا كما لا ينقص من فضلهم العظيم علو علي عليهم.
والحق أن بغض علي ومثله بغض الأنصار من أقوى علامات النفاق. (18) على أن هنا فرقا بين علي والأنصار يظهر من لفظ الحديثين الواردين في هذه المنقبة، إذ الوارد عن الرسول في حق الأنصار رتب فيه الحكم على الصفة المشتقة من النصر وهي لفظ الأنصار وفيه إيماء إلى العلة وهي النصر ويدل عليه عدوله إليه عن نحو أبناء قيلة أو الأوس والخزرج مثلا.
وهذا هو مسلك من مسالك العلة يسميه الأصوليون بالإيماء. قالوا: ومن الإيماء ترتيب الحكم على وصف مشتق نحو أكرم العلماء فترتيب الإكرام على العلم القائم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا فكذا يقال في ترتيب الحكم على النصر القائم بالأنصار. وأما الوارد في حق الإمام علي فقد رتب الرسول فيه الحكم وهو إثبات النفاق للمبغض والإيمان للمحب على ذات علي وباسمه العلم. فلو علم الشارع إمكان تلبس علي بأي صفة تسوغ بغضه ولا يكون مبغضه لأجلها منافقا لما رتب الحكم بالنفاق على اسمه العلم بدون قيد.
فالسياق دال على أن ذات على قدسية مطهرة لا تنفك عنها صفاتها التي لا يتصور أن يبغضه لواحدة منها إلا المنافق فانتفت دعوة المساواة بين علي والأنصار وظهر الفرق جليا.