وهناك فرق آخر وهو أن الرسول رتب الحكم في بغض الأنصار على الجمع المحلى بالألف واللام ولا يلزم من هذه الصيغة استغراق جميع الأفراد لأنها قضية غير مسورة والأنصار عدد كثير وفيهم من ليس محسنا فالحكم بالنفاق إنما يكون على مبغض جمهور هم المحسن المتحقق فيهم وجود تلك العلة المومأ إليها، ولا كذلك الأمر في حق أمير المؤمنين علي وهذا بين ظاهر.
وقولنا في الأنصار أن الرسول أومأ إلى العلة لتعليق الحكم عليها لا نريد به أن من أبغض ذلك الجمهور لسبب آخر غير النصر لا نحكم بنفاقه كلا بل نقول إنهم لاختصاصهم في نصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤازرته وانفرادهم في ذلك بما لم يقم به قبيل آخر ثبتت لهم بذلك منة على كل مؤمن. فلذلك كان من البديهي أن بغض جمهور هم الثابتة له تلك المنة الخاصة لا يكون إلا من منافق خبيث الذات مظلمها.
وأما بغضهم لأجل النصر فهو الكفر الصريح كما تقدم آنفا.
وقد يزعم بعض الناس أن الذوات كلها متساوية تبعا لقول بعض المتكلمين وذلك غلط ظاهر.
وقد جازف بعض الجهال منهم فقال إن القول بتساوي الذوات هو قول جميع أصحاب الملل والنحل.
ونحن لا ندعي الإحاطة بأقوال أهل الملل، غير أننا لا نفهم كيف يحكم اليهود والنصارى والمجوس بأن ذوات موسى وعيسى وكونفوشيوس مساوية لذوات فرعون ويهذوا الإسخريوطي ولا قذر جيفة وأخبث رجيم.
وقد رهد هذه السخافة ابن القيم في كتاب (زاد المعاد) عند كلامه على قوله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار).
وأشار إلى هذا القاضي الشوكاني في كتاب (نيل الأوطار) وكذا غيرهما.
والأدلة على هذا كثيرة كقوله جل وعلا (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) الزخرف / 31.
وذلك بعد قوله (وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) الزخرف / 32.
وقوله عز وجل (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) الدخان / 32.
وقوله تعالى (إن الله اصطفى آدم) الآيات آل عمران / 33.
وقوله سبحانه وتعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام / 124.