إزاء ذلك لا نستطيع أن نجزم بشئ، وإن كان النظام قد عرف آراء هشام بعد ما خالطه في كبره كما سبق، والقول به كما عرفت إنما كان نتيجة للزوم تعلق الإرادة القديمة بالمحدثات بعد إن لم تكن متعلقة به، وهو يؤدي إلى التغير في الذات على نحو قول الجهم في حدوث العلم لا في محل، ونتيجة لنزعة المعتزلة التنزيهية المحضة لذلك نفوا عنه الإرادة بمعناها الحقيقي وأثبتوها له تجوزا بالمعنى المذكور وهو تعليل مقبول أشار إليه الحديث السابق.
لكن عرفت أن هشاما قد وافق الشيعة في نفي الإرادة بمعناها، وخالفهم فيها بأمرين: الأول تفسير إرادة بالحركة والحركة بالفعل. الثاني: قوله في الحركة التي هي الإرادة عنده، عين قوله في العلم، وهو حدوثها لا في محل، ولا يصح وصفها بالحدوث ولا بالقدم، ولا أنها هي هو ولا غيره، وقد وافقه على هذا الرأي أبو الهذيل العلاف في أصل الإرادة بمعناها الذي فسرها به، فقال أبو الهذيل " بإرادة حادثة لا في محل " (1) والشهرستاني يقول أن أبا الهذيل أثبت إرادات لا محل لها يكون الباري تعالى مريدا بها، وهو أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها المتأخرون " (2).
ثم احتضن هذا الجبائيان من بعده و " أثبتا إرادات حادثة لا في محل " (3) ويعزى هذا أيضا إلى السيد المرتضى من الشيعة