أخذت عن الأول ضغثا فقد أخذت عن الآخر أضغاثا، ثم صد التابع عن استعلام حال المتبوع وحقيقته على طبق مشيئة وإرادة السياسات المتعاقبة في صياغة النظرية السياسية في الإسلام. حتى صار التابع اليوم على استعداد كاف لتقبل الجهل، وتمرن عجيب على اتباع الهوى، وزهد في تحقيق الأمور على وجوهها، وبعد عن أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، تقليدا منه للأسلاف، ومحبة ورغبة لاتباع ما ألفه الآباء والأجداد!
ثم يجب أن يعلم أن قصد أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة العظيمة، لملم يكن إلا شكاية منه عليه السلام عما آل إليه أمر هذا الدين في عصره، إذ يرى أغلب الناس من أبناء الدنيا قد تركوا الدخول بسفينة النجاة واعتصموا بمن لا عاصم له من الغرق، ولو أنهم اقتدوا بربان تلك السفينة لحملهم على المحجة الواضحة كما قاله عمر، ولو تمسكوا به لاستمسكوا بالعروة الوثقى في دينهم وأنفسهم كما قاله الرازي في تفسيره (1) لكنهم - والحديث ذو شجون - تركوا الهادي بعيد وفاة المنذر!! وكأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي (2) وقوله: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار فتركوا الفارق بين الحق والباطل بحيث لا اشتباه عنده بينهما قط لوضوحهما لديه، كوضوح الشمس وهي في رائعة النهار عن ظلمة الليل الحالك البهيم الأليل، كما يدلك قوله عليه السلام: عزب رأي امرئ تخلف