مسلحتين وقد ناموا، حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نتسمه ونتحرى جبهته حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال:
لا والله ما شممت مثلها بشئ من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر، وأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه " (1).
وفي رواية أخرى بسند عن هشام بن محمد، قال: لما أجري الماء على قبر الحسين (عليه السلام) نضب بعد أربعين يوما، وامتحى أثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه، حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال: بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتا، ثم بكى وأنشأ يقول (2):
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر هكذا كانت أيام المتوكل حالكة السواد بالنسبة للعلويين والشيعة بشكل عام، فكان يمنع من زيارته فيمتنع الناس مدة، أو تقل زيارتهم، ويزورون خفية ثم تكثر زيارتهم فيمدد المنع إلى أن قتله الله، وقد قال أحد الشعراء (3):
أيحرث بالطف قبر الحسين * ويعمر قبر بني الزانية لعل الزمان بهم يعود * ويأتي بدولتهم ثانية لقد انتهى المتوكل وسقط في قعر الذل والمهانة، وقتل شر قتله، وسجل