وفي رواية عن أبي عبد الله الباقطاني، قال: ضمني عبيد الله بن خاقان إلى هارون المصري، وكان قائدا من قواد السلطان أكتب له، وكان بدنه كله أبيض شديد البياض، حتى يديه ورجليه كانا كذلك، وكان وجهه أسود شديد السواد، كأنه القير، وكان يتقيأ مع ذلك مدة نتنة، قال: فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني، ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه، فقعدت فسألته فرأيته كأنه يحب أن يكتم علي، فضمنت له الكتمان.
فحدثني، قال: وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين (عليه السلام) وإجراء الماء عليه فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام، فقال: لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين، فلما أصبحنا جاءوا يستحثوني في المسير فسرت معهم حتى وافينا كربلاء، وفعلنا ما أمرنا به فرأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام، فقال: ألم أمرك أن لا تخرج معهم؟ ولا تفعل فعلهم؟ فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا، ثم لطمني وتفل في وجهي فصار وجهي مسودا كما ترى وجسمي على حالته الأولى " (1).
لقد انهار عرش المتوكل بين ليلة وضحاها، وكل محاولاته في طمس آثار القبر باءت بالفشل، وبقي قبر الحسين (عليه السلام) شامخا يتحدى الزمن بما حمله من ويلات ومحن، وظل منذ الوهلة الأولى غرة في جبين الدهر، وقد عبر محمد بن أبي طالب صاحب تسلية المجالس عن هذا المعنى بقوله: " كم راموا إخفاء منارها، وإطفاء أنوارها، وإعفاء آثارها، وإهلاك زوارها، وتخريب عامرها، وإدحاض مآثرها، وتتبعوا زعمائها، وأخفوا معالمها، ودرسوا قبورها، وطمسوا مشهورها، وجعلوها لسوامعهم مرتعا، ولحرثهم مزرعا، ولم يتركوا لها علما مشهورا،