الحسين (عليهما السلام) من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول بصوت ضئيل - وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه -:
إن هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟!
قال: ورأيت زينب بنت علي (عليه السلام) ولم أر خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات.
فقالت: الحمد لله، والصلاة على محمد وآله الطيبين الأخيار، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف،