النقطة الثانية: هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس مهما كانت الوسائل والسبل، وبين الخلافة الإلهية. فحتى لو سلمنا ببيعة الحسن عليه السلام فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس، وهذا لا يعني على الإطلاق التنازل عن الخلافة والمنصب الإلهي، بل وليس من صلاحية الإمام ذلك. فتعيينه إماما للناس وخليفة كان من قبل الله تعالى، فلا يمكن التنازل عنه وهو كما يعبر عنه الفقهاء من الحقوق التي لا يصح إسقاطها ولا نقلها، ومما يدل على ذلك الروايات الكثيرة الدالة على ثبوت الخلافة للحسن عليه السلام (إمامان قاما أو قعدا).
ومما يؤيد ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله (لا يلين مفاء على مفئ) أي لا يكون الطليق أميرا على المسلمين أبدا، ولو تأمر عليهم لكان غاصبا لحق الإمارة، ظالما لهم بحكم الشرع والعقل. فحيث كان معاوية طليقا لم يكن له أن يتأمر على المسلمين. علل الشرايع: 1 / 200.
النقطة الثالثة: وهي نقطة مهمة جدا لو أمكن إثباتها لشكلت منعطفا حادا في تحليلنا، ولأمكن أن يقال بوجه ما شرعية قيادة معاوية وحكومته، وذلك لأن الانسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية وليس على ما أكره عليه أو اضطر إليه، فهو منفي عنه وغير منظور عقلا ونقلا، إذ يستحيل عقلا أن يكلف العبد ما لا يطيق. مضافا إلى الآيات والروايات المشيرة إلى هذا المعنى. قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). و (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وقول رسول الله صلى الله عليه وآله : (رفع عن أمتي تسعة.. وما أكرهوا عليه.. وما اضطروا إليه). وبعد هذه المقدمة نقول: