الانتصار - العاملي - ج ٥ - الصفحة ٩٠
وأيضا: كيف يكون المراد مساواة القبر مع الأرض، مع أن سيرة المسلمين المتسلسلة على رفع القبور عن الأرض؟! وفي آخر كتاب الجنائز من جامع البخاري، مسندا عن سفيان التمار، أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنما. وأسند أبو داود في كتاب الجنائز عن القاسم، قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة.
وأسند ابن جرير، عن الشعبي، أن كل قبور الشهداء مسنمة. انتهى ما أردنا نقله منه. وأقول بعد ذلك: لو كان قوله: (مشرفا) بمعنى عاليا، فليس يعم كل قبر ارتفع عن الأرض ولو بمقدار قليل، فإنه لا يصدق عليه القبر العالي، فإن العلو في كل قبر إنما هو بالإضافة إلى سائر القبور، فلا يبعد أن يكون أمرا بتسوية القبور العالية فوق القدر المتعارف المعهود في ذلك الزمان إلى حد المتعارف، وقد أفتى جمع من العلماء بكراهة رفع القبر أزيد من أربع أصابع. ولتخصيص الكراهة لو ثبتت بغير قبور الأنبياء والمصطفين من الأولياء وجه.
الرابع: لو سلم أي دلالة في الرواية، فلا ربط لها ببناء السقوف والقباب ووجوب هدمها، كما هو واضح. وأما قول السائل: إذا كان البناء في مسبلة كالبقيع وهو مانع... إلى آخره. فقد أجاب بعض المعاصرين عنه بما حاصله: أن أرض البقيع ليست وقفا، بل هي باقية على إباحتها الأصلية، ولو شككنا في وقفيتها يكفينا استصحاب إباحتها.
وأقول: بل وقفيتها غير مانع عن البناء لأنها موقفة مقبرة على جميع الشؤون المرعية في المقابر. ومنها: البناء على قبور أشخاص مخصوصين
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست