عنها معين، مع أن النهي عن الوطء يؤكد هذا المعنى، لا الذي فهموه من الرواية. وأما الاستدلال على وجوب هدم القباب بحديث أبي الهياج، فغير تام في نفسه مع قطع النظر عن مخالفته للإجماع والسيرة لوجوه:
الأول: إن الحديث مضطرب المتن والسند. فتارة يذكر عن أبي الهياج أنه قال: قال لي علي كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن. وتارة يذكر عن أبي وائل، أن عليا قال لأبي الهياج. ورواه عبد الله بن أحمد في مسند علي هكذا: لأبعثنك فيما بعثني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أسوي كل قبر، وأن أطمس كل صنم.
فالاضطراب المزبور يسقطه عن الحجية والاعتبار.
الثاني: إنه من الواضح أن المأمور به في الرواية لم يكن هدم جميع قبور العالم، بل الحديث وارد في بعث خاص وواقعة مخصوصة، فلعل البعث قد كان إلى قبور المشركين لطمس آثار الجاهلية - كما يؤيده ذكر الصنم - أو إلى غيرها مما لا نعرف وجه مصلحتها، فكيف يتمسك بمثل هذه الرواية لقبور الأنبياء والأولياء؟! قال بعض علماء الشيعة من المعاصرين: إن المقصود من تلك القبور، التي أمر علي عليه السلام بتسويتها، ليست هي إلا تلك القبور التي كانت تتخذ قبلة عند بعض أهل الملل الباطلة، وتقام عليها صور الموتى وتماثيلهم، فيعبدونها من دون الله. إلى أن قال: وليت شعري لو كان المقصود من القبور التي أمر علي عليه السلام بتسويتها هي عامة القبور على الإطلاق، فأين كان عليه السلام وهو الحاكم المطلق يومئذ عن قبور الأنبياء التي كانت مشيدة على عهده؟! ولا تزال مشيدة إلى اليوم في فلسطين وسورية والعراق وإيران، ولو شاء تسويتها لقضى عليها بأقصر وقت. فهل