فوالله ما فعل حتى نغر بها بشما.
قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين، وقد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها، ثم أنت الآن تنقم وتتأسف؟
قال: ثكلتك أمك يا مغيرة! إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائبا عما هناك، إن الرجل ماكرني فماكرته، والفاني أحذر من قطاة، إنه لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه وميلهم إليه أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني نفسي إليها، وأحب أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائما على إخمصي مستوفزا حذرا لو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك، واختبأها ضغنا علي في قلبه ولم آمن غائلته ولو بعد حين، مع ما بدا لي من كراهة الناس لي، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي:
لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها فرددتها إليه عند ذلك، فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سرورا.
ولقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيرا فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة، فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصا على عقبيك؟
فنظر إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك