وإذا كانت حياة التصوف حياة المجاهدة والتقوى والتأمل فان الشيعة اغنى الناس جميعا في هذا التراث، فقد رووا عن أئمتهم من المواعظ والحكم والأدعية والمناجاة ما لا يبلغه الاحصاء، وننقل منها قطعة للامام زين العابدين تصور موقفه مع خالقه سبحانه، ودفاعه عن نفسه إذا أراد الله عقابه وعذابه، ولسنا نجد في كلمات الصوفية على كثرتها وتنوعها ما يشبه كلام هذا الامام العظيم، فان كلمات الصوفية كلها أو جلها من نوع الحب والوجد وبث الأشواق، أو الغزليات والخمريات، أو الاعراض عن الحياة والملذات، أو الترنيم والتنغيم، أو الألغاز والطلاسم، إلى غير ذلك.
أما كلمات الإمام زين العابدين فإنها تقيض بمعان لم يهتد إليها الصوفيون ولم تخطر لهم على بال، ولم يبلغه أحد من قبل ومن بعد، قال مخاطبا ربه إذا أراد حسابه وعقابه:
" الهي، وعزتك وجلالك لأن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، ولأن طالبتني بلؤمي لأطالبنك بكرمك، ولأن أدخلتني النار لأخبرن أهلها بحبي لك..
الهي، ان كنت لا تغفر الا لأوليائك وأهل طاعتك، فإلى من يفزع المذنبون، وان كنت لا تكرم الا أهل الوفاء بك، فبمن يستغيب المسيئون..
الهي، انك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفوا عمن ظلمنا، وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا، فإنك أولى