في ربوبيته ووحدانيته صمدا لا شريك له فردا لا ظهير له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعيا إلى الحق وسراجا منيرا، وللعباد مما يخافون نذيرا ولما يأملون بشيرا، فنصح للأمة وصدع بالرسالة وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أمات وأحشر وبها في الأجلة أقرب وأجبر وأقول: معشر الخلائق فاسمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم، نعمة منه لم تفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) للنبوة واختاره للرسالة وأنزل عليه كتابا ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل فكان أبي (عليه السلام) أول من استجاب لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * فرسول الله على بينة من ربه وأبي الذي يتلوه وهو شاهد.
وقد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة: سر بها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني، وأنت هو، فعلي من رسول الله ورسوله الله (صلى الله عليه وآله) منه وقال له النبي (صلى الله عليه وآله) حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنه حمزة: أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن من بعدي، فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن يقدمه ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله ورسوله، وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله وقد قال الله عز وجل * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * فكان أبي سابق السابقين إلى الله عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة) * فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا وأولهم إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) هجرة ولحوقا وأولهم على وجده ووسعه نفقة قال سبحانه: * (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) * فالناس من جميع الأمم ليستغفروا له بسبقه إياهم إلى الإيمان ونبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد وقد قال الله تعالى: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوه بإحسان رضي الله عنهم) * فهو سابق جميع السابقين فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله عز وجل: * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله