ليعملوا به ويفسدوا في الأرض فلذلك ذمهم الله تعالى.
الخامس: السحر لفظ مشترك بين معنيين أحدهما ما دق ولطف وتعجب منه العقول والأذهان بقوله إن من البيان لسحرا، ثانيهما ما يذم فاعله وهو كل أمر يخفي سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع وإذا أطلق ولم يقيد أفاد ذم فاعله تعالى وسحروا أعين الناس - يعني موهوا عليهم - فالمنزل على الملكين جاز أن يكون من القسم الأول وهو اختيار بعض الأصوليين.
السادس: إنه تعالى أنزل علم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه وعمل به كان كافرا ومن تعلمه لئلا يعمل به ويجتنبه ويحترز منه وليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه كما ابتلى الله تعالى قوم طالوت بالنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني، وهذا الوجه هو اختيار المعتزلة، والجواب عن المعارضة أما عن الأول فبمنع إنهم أرادوا الاعتراض عليه تعالى بل طلبا لتعلم الشرفي خلق بني آدم مع صدور الشرور منهم لأن الحكيم إذا علم باشتمال فعل على مفسدة لا يصدر منه ذلك الفعل إلا لحكمة عظيمة ومصلحة تامة تستحقر في الحكمة تلك المفاسد بالنسبة إلى وجود المصالح فأراد الملائكة بسؤالهم أن يعلمهم الله تعالى بتلك الحكمة وأيضا فإن إيراد الاعتراض لمعرفة الجواب وحل وجه الإشكال والشبهة ليس بقبيح ولا يشتمل على إنكار وأيضا فإن سؤالهم كان ولا يشتمل على إنكار وأيضا فإن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه ولم يذكروا ذلك عن بني آدم غيبة لهم بل لما كان محل الإشكال في خلق بني آدم إقدامهم على الفساد وسفك الدماء ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال لا لغيره فلهذا السبب ذكروا من صفات بني آدم هاتين الصفتين قوله إما أن يكون قد علموا ذلك بالوحي أو بالاستنباط قلنا جاز أن يكون الوحي وجاز أن يكون بالالهام وإعارته عليه تعالى على سبيل الاستفادة كما قررنا فلا محذور وعن الثاني أن قوله تعالى: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) لا