كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٢١٤
معصومين لمثل هذه العلة التي ذكروها، وإذا لم تجب لأجل ذلك عصمتهم ولم يمنع ذلك من وجوب طاعتهم ما لم يعلم دعاؤهم إلى المعصية، فكذا القول في الإمام، والجواب عن الأول من وجوه:
الأول: إنه لو لم يجب اتباعه إلا فيما يعلم حسنه لزم إفحامه. لأن المكلف يقول له لا أعلم حسن هذا إلا بقولك، وقولك ليس بحجة، ووجوب اتباعه فيما لا يعلم قبحه لا يدفع وجه المفسدة، لأن المفسدة إنما لزمت من عدم أمن المكلف من أمره بالقبيح وتجويز ارتكابه الخطأ، ولا يندفع هذا إلا بدفع هذا الاحتمال أو نقيض الممكنة الضرورية، فيجب القول بامتناع القبيح عليه، وهذا هو العصمة.
الثاني: ما ذكره السيد المرتضى من أن وجوب اتباع غير المعصوم فيما لا يعلم قبحه يستلزم إمكان أن يتعبد الله تعالى بفعل القبيح على وجه من الوجوه لإمكان أن يكون ذلك الذي يأمر به معصيته، لكن ذلك محال فيلزم عصمته.
الثالث: ما ذكره السيد المرتضى أيضا، وهو أن الإمام إنما هو إمام في جميع الدين وما لم يكن متبعا فيه من الدين يخرج عن كونه إماما فيه، وهذه الجملة لا خلاف فيها، فليس لأحد أن ينازع فيها، لأن المنازعة في هذا الاطلاق خرق الاجماع، وأما ما رواه عن أبي بكر فلا يفيد علما ولا عملا للمنع من إمامته أولا وأنه خبر واحد لا يفيد في المسائل العلمية وأيضا فلأنه إذا بين أن كل ما يقوله ليس بحجة، فأما أن لا يكون شئ منها حجة فلا حجة في الخبر المذكور، وأما أن يكون البعض حجة، والبعض الآخر ليس بحجة، فلا يدل أيضا لجواز كونه من ذلك البعض، والأصل فيه أن الجزئية لا تصلح كبرى في الشكل الأول، فحينئذ لا يمكن الاستدلال، قوله هذه طريقة أمير المؤمنين عليه السلام فليس في ذلك زيادة على الدعوى، ولم يذكر رواية عنه تقتضي ذلك فلا دلالة لنتكلم عليها، والذي يؤمننا فما ظنه قيام الدلالة على إمامته وقيامها على أن الإمام يجب أن يكون معصوما ومقتدى به في جميع الدين قوله الواجب اتباعه فيما لا يعلم قبحه، وإن كان لا يمتنع أمره
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست