كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ١٢٨
الثالث: الكلام المفيد للتصديق بما ينبغي أن يفعل وعماذا ينزه من شخص تسكن النفس إليه ليجعلها غالبة على القوى ولا يحصل سكون النفس واعتمادها وتصديقها اليقيني الذي يجعلها غالبة على القوى إلا إذا كان زكيا يعلم منه الصدق يقينا ويعلم منه عدم صدور ذنب منه، فإن وعظ من لا يتعظ لا ينجع لأن فعله يكذب قوله، وذلك ليس إلا المعصوم وإنما يحصل الأول بشيئين:
الأول: الفكر اللطيف.
الثاني: جعل النفس لهيبة الله ذات خشوع ورقة منقطعة عن الشواغل الدنيوية معرضة عما سوى الحق جاعلة جميع الهموم هما واحدا وهو طلب وجه الله تعالى لا غير وهذا لا يحصل إلا بمعرفة طريقة يقينا وليس ذلك إلا من المعصوم كما تقدم من التقرير، فقد ثبت الاحتياج إلى المعصوم في هذه المراتب كلها إذا تقرر ذلك فنقول: قد وجد من الله تعالى القادر على جميع المقدورات العالم بجميع المعلومات إرادة التوكل فيريد ما يتوقف عليه لأن إرادة المشروط تستلزم إرادة الشرط، مع العلم بالتوقف واستحالة المناقضة فيجب نصب المعصوم في كل زمان لوجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف فيجب وجود الفعل (1).

(١) قد أوضحنا في التعليقة السابقة إن التوكل كما يريده الله تعالى ويحبه لا نحيط به ولا نتعرفه بدون وساطة المعصوم، هذا في ظاهر التوكل وبساطته وأما لو أخذناه على مراتبه العلية ومقامه الأسمى كما أشار إليه طاب ثراه، فهو أحرى أن نجهله ولا نفهمه، ولا تقول إنه هو بدون إرشاد المعصوم ودلالته، فإن هاتيك الفضائل العالية التي يتحلى المرء بها وتدنيه من جناب القدس وتبعده عن الرذائل السافلة التي يطرد بها عن حظيرة القدس ويجب أن يتخلى عنها هي أحرى وأولى أن لا تعلم إلا من طريق المعصوم، ومن أين للبشر معرفة تلك المراتب وقطع هاتيك المراحل التي تزل فيها الأقدام، وفيها الهوى إلى الحضيض الأسفل إن زلت القدم، فإن كل من أراد أن يرقى إلى هاتيك المعارج لا يحرز إنه ارتقى ووصل والغيب محجوب عنه ولعله يهبط إلى الحضيض وهو يزعم أنه يصعد إلى الرفيق الأعلى ومن الذي دله على صوابه وأيقن بوصوله إذا لم يكن الدليل المرشد معصوما فعسى أن يكون المرشد والمسترشد في خطأ، والذي يشهد للخطأ الملموس ادعاء المرشدية من الكثيرين وتخالفهم في الطريقة واختلافهم دليل على خطأ الجميع بدون استثناء أو باستثناء طريقة واحدة من بينها إن صح الاستثناء فكل طريقة نمر عليها يحتمل فيها الخطأ، فمن أين نجزم بإصابة المحق من التوكل وغيره باتباع هذه الطرق، فإذا اعتقدنا أنه عز شأنه يريد إصابة أحكامه وتنزيه عباده عن الرذائل وتزيينهم بالفضائل اعتقدنا أنه نصب لك الدليل المرشد المصيب وما هو إلا المعصوم، فإذا كان كذلك شأنه مع عباده في كل زمان فقد نصب لهم ذلك الدليل في كل زمان.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست