كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ١٢٥
دون قبيح والأول أولى والله تعالى فعل ذلك وأمر به لحسنه فلا يلزم فعل كل حسن من هذا النوع فلا يلزم من ذلك نصب الإمام المعصوم لأنا نقول:
بل يلزم هذا، فإنه إذا فعل الحسن لحسنه الذي هو غير واجب لزم منه فعل الواجب، والله تعالى حكيم، وقد بينا وجوب نصب الإمام عليه، وهذه الأمور من باب الأصلح، وقد فعلها مع حكمته وعنايته وترك الواجب، وهذا محال صدوره من حكيم حكمته لا تتناهى وأيضا فإنه إذا فعل الحكيم في الغاية العالم بكل المعلومات القادر على كل المقدورات أمرا لغرض كهدي فعله للتقريب والتبعيد وهو ليس بعام ولا يحصل منه ما يحصل من المعصوم وهو عام ويحصل منه ما يحصل من هذا، وهذا موقوف على المعصوم أيضا وجب في الحكمة أن يفعل نصب المعصوم أيضا وهو المطلوب فإن الحكيم إذا قصد تحصيل غرض فعل ما يتوقف عليه قطعا (1).
الخامس والثلاثون: إن هذه المنافع، وهذا الشفقة وهو دعاء الرسول بلين وعفوه واستغفاره أمر عظيم ورحمة تامة لا يجوز تخصيص البعض بها دون البعض فيجب ذلك في كل عصر، ويستحيل من الرسول لأنه خاتم الأنبياء، فلا يأتي نبي غيره ولم يحصل البقاء في الدنيا، فلا بد من قائم مقامه متيقن متابعته له في أفعاله عليه السلام وليس ذلك إلا المعصوم فيجب في كل عصر (2).

(1) ولو جاز إهمال نصب الإمام مع حسنه بل مع كونه أحسن لجاز إهمال بعثة النبي، فإن بعثة الأنبياء ما كانت إلا من ناحية الرأفة والرحمة واللطف والعلة واحدة في الجميع، فكيف يصح استعمالها في النبي وإهمالها في الإمام مع أن الحاجة من البشر واحدة والداعي من قبله عز شأنه واحد.
على أنه لا يمكن التفكيك بين الأمرين مع الاعتراف بأن وجود المعصوم أقرب إلى طاعة الناس وأبعد عن معاصيهم فإنه سبحانه يختار في كل أمر ما هو الأصلح لعباده، فلماذا يهمل الأصلح هاهنا وهو تقريبهم من الطاعة وتبعيدهم عن المعصية.
(2) ولو قيل: إن القائم مقامه شريعته الكتاب والسنة لقلنا قد سبق الجواب عن ذلك بأنهما غير كافيين في بيان كل ما يحتاج إليه الناس وما يتولد من شؤون لم يصرحا بها، هذا مع أن دلالتها محل للتنازع والخلاف بين الأمة، وبقول من يؤخذ وعلى رأي من يعتمد على أن الرسول صلى الله عليه وآله مصلح ناطق والكتاب والسنة مصلح صامت ولا يغني الصامت عن الناطق فلا بد من المصلح الناطق في كل زمان لأن الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف والشفقة والرحمة من الخلاف اللطيف فكيف يخص زمنا وجيلا دون الأزمنة والأجيال الأخرى بعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد مع كل جيل.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست