المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٣٩
وأما أبو بكر فإنه لم يختلف قوله أن جعله أبا، وهو قول بضعة عشر صحابيا، ومذهب أبي حنيفة وبعض الشافعية والحنابلة وهو الأظهر في الدليل. وقال مالك والشافعي وأحمد بقول زيد ثابت. وأما قول علي (رضي الله عنه) في الجد فلم يذهب إليه الأئمة. فلما أجمع المسلمون على الجد الأعلى أولى من الأعمام كان الجد الأدنى أولى من الأخوة. ثم القائلون بمشاركة الأخوة للجد لهم أقوال متناقضة..
ابن مطهر: أهمل أبو بكر حدود الله، فلم يقتص من خالد بن الوليد حيث قتل مالك بن نويرة وأشار عمر بقتله فلم يقبل.
ابن تيمية: إن كان ترك قاتل المعصوم - أي معصوم الدم - مما يذكر على الأئمة كان هذا من أكبر حجج شيعة عثمان على علي. فإن عثمان خير من أمثال مالك بن نويرة، وقد قتل مظلوما شهيدا، وعلي لم يقتص من قتلته، ولذا امتنع الشاميون من مبايعته، فإن عذرتموه فاعذروا أبا بكر فإنا نعذرهما (1).

(1) كلام ابن تيمية لا يخرج عن كونه مجرد تبرير لفعل أبي بكر، واحتجاجه على ابن المطهر بما حدث لعثمان كأنه تصريح باتهام الإمام علي أنه وراء مقتل عثمان ولم يقتص من قتلته. وهذا الكلام إنما هو نابع من اعتقاد أهل السنة بظلم عثمان وموته شهيدا وهو اعتقاد سياسي نابع من النهج الأموي وليس من الدين في شئ. فلم يكن عثمان سوى طاغية أموي انحرف بالإسلام نحو الجاهلية وأضاع الحق وأرسى قواعد الظلم والفساد بين الرعية مما أوجب الثورة عليه وقتله.
وفي الوقت الذي يعتقد أهل السنة بأن عثمان من الشهداء المظلومين لا يعتقدون أن الإمام عليا قتل شهيدا ويساووه على الأقل بعثمان. وهذا برهان قاطع ودليل ساطع على أن التركيز على عثمان والتعتيم على علي من صنع السياسة أو هو من صنع معاوية وبني أمية..
وليس من الصعب إثبات أن ما فعله خالد مع مالك بن نويرة إنما هو جريمة يستحق عليه القصاص وقد طالب بذلك عمر، لكن من الصعب إثبات أن قتل عثمان جريمة توجب القصاص. فالبون شاسع بين قتل فرد من الرعية وبين قتل حاكم. فقتل الفرد له دوافع ذاتية، وقتل الحاكم له دوافع سياسية، ومن الجهل المساواة بين الفعلين.
إلا أن ما يعنينا هنا هو أن هذه الحادثة في مراجع أهل السنة وابن تيمية هنا لم ينكرها، بل إن الثابت أيضا أن خالد دخل بزوجة مالك بن نويرة وهي في العدة. وأبو بكر بهذا يكون قد عطل حدا من حدود الله بدافع الحفاظ على خالد أو بمعنى أصح بدافع الحفاظ على السيف الذي سل في سبيل تثبيت حكمه..
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست