المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٣٦
وأما قولك (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك) فهذا كذب موضوع، فقد كان علي معه في بدر وخيبر وحنين وغير ذلك واستعمل غيره عليها.
ابن مطهر: إنهم يقولون: أن الإمام بعده أبو بكر بمبايعة عمر برضى أربعة.
ابن تيمية: بل بمبايعة الكل ورضاهم على رغم أنفك. ولا يرد علينا شذوذ سعد وحده، فهذه بيعة علي (رضي الله عنه) امتنع عنها خلق من الصحابة والتابعين ممن لا يحصيهم إلا الله تعالى، أفذلك قادح في إمامته؟ ومذهب أهل السنة أن الإمامة تنعقد عندهم بموافقة أهل الشوكة الذين يحصل بهم مقصود الإمامة وهو القدرة والتمكين (1).

(١) هذا ملخص كلام كثير لابن تيمية يدعم فيه موقف أهل السنة من بيعة أبي بكر. وليس من نصه: بل بمبايعة الكل ورضاهم على رغم أنفك فهي من اختراع واضع المناقشة. وقد حشد ابن تيمية في رده العشرات من الروايات التي تدعم أبا بكر وتثبت مبايعة الجميع له، وهي روايات محل طعن الخصم، إلا أن ما نريد توكيده هنا أن موقف سعد بن عبادة من أبي بكر ورفضه مبايعته وهو يمثل قطاع الخزرج من الأنصار ينقض فكرة الإجماع على أبي بكر وإن كان ابن تيمية قد حاول الاستدلال برواية ضعيفة عندهم على أن سعدا قد رجع عن موقفه وبايع أبا بكر.
فشذوذ سعد يعني شذوذ قبيلة بأكملها لا شذوذ سعد وحده كما يحاول أن يصور ذلك ابن تيمية..
وابن تيمية وأهل السنة إنما يلجأون إلى الروايات الضعيفة لدعم موقفهم في الوقت الذي يحرمون فيه ذلك على خصومهم ويسعون على الدوام للتشكيك في رواياتهم..
أما ما يتعلق ببيعة علي فإن اختياره كان بإرادة الأمة وهو أول اختيار حر في تاريخ المسلمين وإن كان قد اختلفت الأمة فيه ووقفت في وجهه قطاعات المنافقين والقبليين فإن هذا لا ينفي أن الإمام عليا اختبر بإرادة حرة ولم يتوفر ذلك لأبي بكر، بل لا مجال للمقارنة بين اختيار الإمام وتنصيب أبي بكر، فقد كان اختيار الإمام بعد ثورة أطاحت بعثمان وقتلته بإرادة شعبية بينما كان تنصيب أبي بكر بدوافع وضغوط قبلية بزعامة قطاع من المهاجرين وبعد صدامات بين هذا القطاع والأنصار وبني هاشم.
لقد جاء الإمام إلى الحكم بإرادة حرة..
وجاء أبو بكر بالضغط والإرهاب..
وإلا فكيف لهؤلاء الأربعة: عمر وأبو عبيدة وعبد الرحمن وطلحة الذين قادوا حملة تنصيب أبي بكر أن ينتصروا على بقية المهاجرين والأنصار وبني هاشم الذين يعارضون تنصيبه.
كيف للأوس والخزرج أن تدين لأبي بكر بهذه السهولة وهم باستطاعتهم أن يطيحوا بالمهاجرين من المدينة وتكون لهم السيادة؟
إن التبرير الوحيد لهذا الأمر هو وجود النص القاطع الذي يوجب على الجميع الإذعان لأبي بكر وتنصيبه. ولما كان هذا النص لا وجود له باعتراف أهل السنة، فإن هذا يوجب الشك في صحة خلافة أبي بكر..
وقد نصت قواعد فقهاء السنة في مسألة اختيار الحاكم على جواز تنصيبه ببيعة أربعة أو بيعة اثنين وقال بعضهم تنعقد بواحد. وقالوا بجواز اغتصاب الحكم ووجوب طاعة المغتصب. والحاكم عندهم واجب الطاعة برا كان أو فاجرا. (انظر العقيدة الطحاوية والأحكام السلطانية وكتب الفقه) ومثل هذا الفقه إنما نتج من خلال تنصيب أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية.
نتج ما سمي بفقه المتغلب (وهي حالة أبي بكر).
ونتج ما سمي بوصية الحاكم لآخر من بعده.. (وهي حالة عمر).
ونتج ما سمي بأهل الحل والعقد.. (وهي حالة عثمان).
ونتج ما سمي بحكم الوراثة أو حكم الفرد.. (وهي حالة معاوية).
وهذه الصور الثلاث إنما هي من نتاج واقع وليست من نتاج نصوص.
وفي منظور أهل السنة أنه ما دام قد تمكن الحاكم ودان له جمهور الناس فقد صار إماما وجبت طاعته والصلاة وراءه والحج معه والجهاد من خلفه وتأدية الزكاة له..
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست