المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٣١
ومن الذي يخالف إجماع الصحابة نحن أو أنتم؟
ومن الذي كفرهم وضللهم؟ إن أهل السنة لا يتصور أن يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة، فإنه لم يكن في العترة النبوية - بني هاشم - على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي من يقول بإمامة اثني عشر ولا بعصمة أحد بعد النبي (ص)، ولا بكفر الخلفاء الثلاثة بل ولا من يطعن في إمامتهم، بل ولا من يكذب بالقدر. فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة العترة النبوية، مع مخالفتهم لإجماع الصحابة. فكيف ينكرون على من خالف إجماع الصحابة (1)؟

(١) أي إجماع يقصد ابن تيمية وأي مخالفة. إن الإجماع الوحيد الذي ساد في عصر الصحابة هو إجماع السلطة الحاكمة، فلم يكن هناك إجماع على أبي بكر ولا على عمر ولا على عثمان ولا على معاوية.. ولم تكن هناك شورى من الأصل وأحداث سقيفة بني ساعدة تشهد بذلك. وعمر تولى بوصية أبي بكر دون مشورة المسلمين. وعثمان اختير بواسطة مجموعة الشورى التي اختارها عمر ومعاوية تولى بقوة السيف وجعلها ملكية.. (انظر كتب التاريخ وانظر لنا السيف والسياسة) فإذا خالف الشيعة هذا الإجماع المزعوم يكونون قد ساروا على طريق الهداية لا على طريق الضلال أو الحكام الذي يسير عليه أهل السنة. والشيعة لا يكفرون الصحابة إنما هناك التباس يجب توضيحه بهذا الصدد. وهو أن تعريف الصحابي عندهم يفرض الفرز والتمييز فالصحابي هو من طالت صحبته للرسول (ص) وحسنت لا من لاقاه مرة أو سلم عليه أو ولد في حياته أو رآه ولو ساعة كما يعتقد أهل السنة. وعلى أساس هذا التعريف سوف يتم فرز كل من ينسبون إلى صحبة الرسول ممن أدخلهم أهل السنة في دائرة الصحبة، ومن ثبت خروجه من دائرة الصحبة وجب إخراجه من دائرة العدالة..
من هنا فإن الشيعة وفق ما سبق ووفق المواقف والسلوكيات التي ارتبطت بالصحابة قبل وفاة الرسول وبعد وفاته قد أخرجوا الكثير من دائرة الصحبة. فأخرجوا الخلفاء الثلاثة ومن تحالف معهم ضد آل البيت مثل أبو عبيدة وطلحة وسعد وخالد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وغيرهم وهم على الأغلب من المهاجرين. واعترفوا بكثير من الصحابة ممن أحسنوا الصحبة والتزموا بنهج الرسول ومنهم: عمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وحذيفة وأبي خذيمة وخباب والمقداد.
وهؤلاء جميعا يروى عنهم وهم موضع احترام الشيعة وتقديرهم، فكيف يقول ابن تيمية إن الشيعة يكفرون الصحابة ويضللونهم، إنما هو يكفرون ويضللون من انحرف عن الصراط وأعرض عن الحق واتبع هواه وباع دينه بدنياه منهم.
واتهام أهل السنة للشيعة في مسألة الصحابة إنما الغرض منه إثارة المسلمين وتأليبهم ضدهم نظرا لما يمثله صحابة الرسول من قيمة معنوية عظيمة في نفوسهم.
والحق أن أهل السنة هم الذين أساؤوا إلى الرسول وصحابته بإدخال كل من هب ودب في دائرة الصحبة وإضفاء صفة العدالة عليه ومنحة سلطة التحدث بلسان الرسول (ص).
إن الشيعة بتحديدهم مفهوم الصحبة ورفضهم الاعتراف بالدخلاء على الرسول إنما يرتفعون بمفهوم الصحبة ويضعونها في إطارها الشرعي الصحيح..
ولو كان أهل السنة قد التزموا بهذا الإطار ولم ينجرفوا في تيار السياسة، ما كان قد ظهر هذا الكم الهائل من الروايات المنسوبة للرسول (ص) التي تسببت في شقاء الأمة وفرقتها وتأخرها..
وكيف لابن تيمية أن يدعي أن الشيعة الإمامية متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية وما قامت به الشيعة إلا بهم. فهم أئمتها وحجتها؟
وكيف له أن يدعي أن العترة النبوية لم تكن تقول بإمامة الاثني عشر وعصمتهم. وهم الأئمة وأين كانت النصوص القرآنية والنبوية التي جاءت فيهم آنذاك؟
هل لم يكن أحد يعلم بها. أم ظهرت بعد مماتهم؟
الظاهر أن الذي لم يكن يعلم بها هو ابن تيمية..
إن عترة النبي (ص) الذين خصهم برعايته وجعلهم الأئمة من بعده حسب ما جاء في الروايات الصحيحة لا بد وأن يكون لهم موقف من الخلفاء الثلاثة ولا بد أن يكونوا رافضين لهم وإن لم يكن ذلك موقفهم فقد نقضوا إمامتهم وتنازلوا عن دورهم ورسالتهم..
وحتى إن كان المقصود بالعترة بني هاشم كما يظهر من كلام ابن تيمية وهو قول بعض أهل السنة فإن بني هاشم وقفوا في صف الإمام علي ولم يكونوا على وفاق مع الخلفاء الثلاثة كما دخلوا في صراع مع بني أمية وبني العباس من بعد..
وهل بعد هذا يمكن القول إن ابن تيمية يجهل الفرق بين العترة وبني هاشم؟ الأرجح أنه يريد التمويه على آل البيت كما هو نهج السنة..
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست