المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٢٧
ابن تيمية: أما أحاديث النزول إلى السماء الدنيا فمتواترة (1).
وحديث دنوه عشية عرفة فأخرجه مسلم، ولا نعلم كيف ينزل، ولا كيف استوى.
ابن مطهر: إن العبد لا تأثير له في الكفر والمعاصي (2).
ابن تيمية: نقل باطل، بل جمهور من أثبت القدر يقول إن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأن له قدرة واستطاعته. ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية، بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله (تعالى) يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب، وينبت النبات بالماء، والله خالق السبب والمسبب.
ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه، ولا بد له من معارض يمنعه، فلا يتم أثره - مع خلق الله تعالى له - إلا بأن يخلق الله (تعالى) السبب الآخر ويزيل الموانع، ولكن ما قلته هو قول الأشعري ومن وافقه، لا يثبتون في المخلوقات قوى ولا طبائع، ويقولون: قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل. وأبلغ من ذلك قول الأشعري: إن الله فاعل فعل العبد وإن فعل العبد ليس فعله بل كسب له وإنما هو فعل الله (تعالى) فقط. وجمهور الناس والسنة على خلاف قوله وعلى أن العبد فاعل لفعله حقيقة (3).

(1) رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له ". ولابن تيمية رسالة بعنوان " شرح حديث النزول ".
(2) أي عند أهل السنة وهو من سقطاتهم في مسألة القدر.. وهو ينبني على أساس اعتقادهم أن أفعال العباد طاعة وعصيانا وإيمانا وكفرا هي مخلوقة لله.. انظر شرح الطحاوية..
(3) الحمد لله أن ابن تيمية اعترف بشئ وهو من شيمته الإنكار. وإذا كان الأشعري قد قال هذا الكلام فهذا يعني أن نقل ابن المطهر نقل صحيح وحق لا نقل باطل كما ادعى ابن تيمية. ومن المعروف أن ابن تيمية شديد العداء للأشعري ولم ينصره أحد من أهل السنة حتى الحنابلة الذين ينتمي إليهم. ولم يكن له وزن في يوم من الأيام لا في عصره ولا بعده حتى جاء الوهابيون فأحيوا ذكره ونشروا فكره ببركات آل سعود والجدير بالذكر أن الدول التي قامت بعد الدولة العباسية مثل الدولة السلجوقية التركية والدولة الأيوبية والدولة المملوكية التي عاصرها ابن تيمية دانت بعقيدة الأشعري وكانت هي العقيدة السائدة بين المسلمين والفقهاء خاصة فقهاء الشافعية. وابن تيمية بمحاربته للأشعري والأشاعرة يعتبر منشقا على أهل السنة وطاعنا في الدول التي دعمت الأشعري وعقيدته.
ومثل هذا الموقف من الأشعري الذي يتبناه ابن تيمية، يكشف لنا أن هناك تصدعات داخل فرقة أهل السنة التي تحوي عدة فرق فبالإضافة إلى فرقة الأشاعرة وفرقة ابن تيمية، هناك فرقة الحنابلة وفرقة الماتريدية وفرقة الخلف التي تقول بالتأويل في مسألة الصفات وتتفق مع الشيعة والمعتزلة فيها. هذا غير الفرق الوهابية المعاصرة المتناحرة فيما بينها داخل مملكة الوهابيين وخارجها في أفغانستان ومصر وكل بقاع العالم الإسلامي وحتى الأوروبي. تلك الفرق التي تولدت من خلال عقيدة ابن تيمية وأفكاره الشاذة. فهل من الممكن لقادة أهل السنة اليوم أن يخبرونا أيا من هذه الفرق يسير على طريق النجاة من النار؟
أما أن لأهل السنة أن يعلموا أن بيوتهم من زجاج فيتوقفوا عن قذف الآخرين بالطوب؟
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست