المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١١٣
ابن المطهر: إننا نتناقل ذلك خلفا عن سلف إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين.
ابن تيمية: إن كان ما تقول حقا فالنقل عن المعصوم الواحد كاف. فأي حاجة في كل زمان إلى معصوم؟ وإذا كان النقل كافيا فأنتم في نقصان وجهل من أربعمائة وستين سنة (1).
ثم الكذب من الرافضة على هؤلاء يتجاوزون به الحد، لا سيما على جعفر الصادق حتى كذبوا عليه كتاب (الجفر، والبطاقة، وكتاب اختلاج الأعضاء، وأحكام الرعود والبروق ومنافع القرآن) فكيف يثق القلب بنقل من كثر منهم الكذب، إن لم يعلم صدق الناقل، واتصال السند، وقد تعدى شرهم إلى غيرهم من أهل المدينة يتوقون أحاديثهم، وكان مالك يقول: نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم.
والرافضة أكذب من كل طائفة باتفاق أهل المعرفة بأحوال الرجال (2).

(١) إذا كان النقل عن المعصوم الواحد كاف فهل التزام أهل السنة بالنقل عن الرسول (ص) وحده. أم نقلوا عن الصحابة ثم التابعين ثم تابعي التابعين ثم في النهاية غلبوا أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء على النصوص الصريحة الواردة عن الرسول؟ وقد اعتبر أهل السنة أهل القرون الثلاثة هم خير البشر على أساس حديث: خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه (البخاري ومسلم) ذلك الحديث الذي أخفى الشرعية بل العصمة على جيل الصحابة والتابعين وتابعيهم وجعل الأمة تتلقى دينها من هذه الأجيال الثلاثة بكل ثقة ويقين.
وابن تيمية قد أوقع نفسه في متاهة بقوله هذا فإذا كان النقل عن المعصوم الواحد كاف فلماذا ينقل أهل السنة عن كل هؤلاء وهم غير معصومين، ولماذا ينقل هو عمن سلفه؟
وهل كان من الممكن أن تقوم لمثل ابن تيمية قائمة لولا ما نقل إليه من علم وبيان عن طريق من سبقه؟
لقد كان من الواجب على ابن تيمية أن يبين لنا كيف يمكن النقل عن المعصوم الواحد بما يحقق الكفاية؟
وكيف لابن تيمية أن يدعي أن الشيعة في نقصان وجهل منذ غيبة آخر معصوم وهو الإمام المهدي وهم الذين يتبنون الاجتهاد وينادون به. وأن الأولى بهذا الادعاء هم أهل السنة الذين أغلقوا باب الاجتهاد وعكفوا على فقه الماضي وتخلفوا عن مواكبة العصر والمتغيرات..
(٢) الأولى بتهمة الكذب هم أهل السنة فهم الذين نسبوا إلى الإمام علي وأئمة آل البيت الكثير من الروايات التي تحط من قدرهم وتساويهم بالعامة وتربطهم بالخلفاء والحكام من بني أمية وبني العباس بل وتضعهم في موضع المعادي للشيعة المناصر لنهج أهل السنة.
ومن هذه الروايات: اعتراف الإمام علي بفضل أبي بكر وعمر عليه وأنه دونهما، وأنه يعترف بخلافتهما ويدين لهما بالطاعة والولاء..
ونقل الإمام علي بن الحسين الحديث عن أبان بن عثمان، ومحمد بن علي عن جابر والروايات التي تتحدث عن فاجعة كربلاء وتصور الإمام الحسين على أنه طلب العفو من يزيد؟؟؟؟ يضعه في صفوف أهل الثغور بدلا من قتله..
والروايات التي تتحدث عن ثورة زيد بن علي وتصورها على أنها قامت بدوافع دنيوية وبسبب قطع العطاء عن زيد من قبل هشام بن عبد الملك.
والروايات التي تنسب إلى الإمام الصادق بتحريم زواج المتعة..
(انظر تفاصيل هذه الروايات وغيرها في كتب التاريخ، وكتب السنن أبواب فضائل الصحابة والإمام جعفر الصادق لأبي زهرة، وانظر منهاج السنة والعواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي، وانظر لنا السيف والسياسة).
والشيعة بجميع طوائفهم لا ينسبون إلى أئمة آل البيت شيئا بل ينقلون عنهم، والكذب الذي يقصده ابن تيمية هنا ليس هو نسبة بعض الاعتقادات الباطلة المناقضة لأصول الدين إلى الأئمة من قبل أهل الزندقة وأعداء الدين المندسين في وسط المسلمين فهذه الافتراءات قد أعلن رفضها الأئمة وتبرؤوا منها فمن ثم لا يصلح الاستدلال بها هنا.. إنما ما يقصده ابن تيمية هو تلك الروايات التي جاءت عن أئمة آل البيت بخصوص الصحابة والحكام والمخالفين وأسماء الله وصفاته وزواج المتعة وسائر الأمور التي تصطدم بنهج أهل السنة وعقائدهم. هذا هو ما يقصده ابن تيمية. أنه لا يوجد هناك شيعة ولا تشيع إنما هي مجموعات ضالة تتستر بآل البيت وتنسب إليهم الكذب. فأهل السنة في نظر ابن تيمية هم الذين يحبون آل البيت ويوالونهم ويعبرون عنهم ولا يكذبون عليهم كما يحبون ويوالون معاوية ويزيد وسائر الحكام..
ففي عقيدة أهل السنة وابن تيمية كل هؤلاء سواء. بل إن هناك من الصحابة والتابعين من هو أفضل من أئمة آل البيت وأوثق وأعلم منهم.
والشيعة لكونها لا تقر بمثل هذا الهراء وتعتقد أن نهج آل البيت غير نهج هؤلاء. وأن آل البيت فوق هؤلاء. وأن عقيدتهم تدين هؤلاء فمن ثم هم في نظر ابن تيمية وأهل السنة ليسوا من أهل الصدق.
ولست أدري من أين جاء ابن تيمية بهذا الادعاء الذي يقول باتفاق أهل العلم والمعرفة بأحوال الرجال أن الشيعة أكذب من كل طائفة. والبخاري ومسلم وسائر أهل السنن رووا لهم ونقلوا عنهم فهل ابن تيمية يجهل ذلك أم أعماه الحقد والتعصب؟
(انظر هدى الساري مقدمة شرح البخاري، ولسان الميزان وتهذيب التهذيب لابن حجر وانظر ميزان الاعتدال للذهبي) والحق أن أهل السنة لم يكذبوا على آل البيت وحدهم وإنما كذبوا على الرسول (ص) أيضا فنسبوا إليه روايات فاضحة حول علاقاته بالنساء. وحول الحكام. وحول صفات الله سبحانه (انظر باب فضائل عائشة وكيف ارتبط بها الرسول (ص) وهي طفلة عمرها ست سنوات، وأبواب النكاح والحيض وكيف أن الرسول كان يواقع النساء في المحيض، وكيف كان يطوف على نسائه الإحدى عشر في ليلة واحدة وبغسل واحد، وكيف أن الرسول أوجب على المسلمين طاعة الحكام الفجار الظلمة والصلاة والحج والجهاد من خلفهم وإن جلدوا الظهور وسلبوا الأموال.
وكيف أن الرسول (ص) يقول إن ربكم ليس بأعور، وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة. وأنه خلق آدم على صورته. وأن الناس سوف تراه يوم القيامة. وأن الله في السماء فوق العرش. وأنه يضع رجله في النار. وأن له يد وعين ويغضب ويفرح ويضحك وغيرها من الروايات التي نسبوها للرسول والتي تؤكد فكرة التشبيه والتجسيم (انظر البخاري كتاب التوحيد ومسلم كتاب الجنة وكتاب التوبة وابن ماجة باب الرد على الجهمية وكتب السنن الأخرى وانظر شرح العقيدة الطحاوية وشرح العقيدة الواسطية ولمعة الاعتقاد. وانظر لنا دفاع عن الرسول).
ولا ينكر أنه قد دست على الأئمة وعلى الإمام الصادق خاصة الكثير من الروايات من قبل بعض المتسترين بالتشيع. لكن الأئمة وفقهاء المذهب من بعدهم قد تصدورا لهذا الدس ووضعوا القرآن والعقل كضابطين توزن على أساسهما الروايات... من هنا فليس ما يروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار وغيرها من كتب الحديث عند الشيعة يمثل حجة عليهم. كذلك الحال بالنسبة لسائر الكتب الأخرى التي ذكرها ابن تيمية. ولو أردنا أن ندين أهل السنة بهذا المنطق لحاججناهم بعشرات الكتب التي تنسب إليهم وتكتظ بالخرافات والضلالات. إنما الحجة تتركز في النص المعترف به من كلا الطرفين والمتمثل في القرآن. أو في النص المعترف به من قبل الخصم الذي يدين به، ونحن نحتج على أهل السنة بالبخاري ومسلم فهما أصح الكتب عندهم. ولا نحتج عليهم بالكافي أو بغيره من كتب ومصادر الشيعة. هذا في الوقت الذي يحتج فيه أهل السنة على الشيعة بروايات مكذوبة أو برأي أو إجماع من قبلهم. أو حتى بضلالات وإشاعات من صنع خصومهم..
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 108 109 111 112 113 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست