المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٠٦
ابن تيمية: إن الإمامة (أهم المطالب) كذب بالإجماع إذ الإيمان أهم، فمن المعلوم بالضرورة أن الكفار على عهد النبي (ص) كانوا إذا أسلموا أجري عليهم أحكام الإسلام ولم تذكر لهم الإمامة بحال، فكيف تكون أهم المطالب (1)؟

(1) قول ابن تيمية إن الإمامة أهم المطالب كذب بالإجماع، يبدو من ظاهره أن الإجماع المقصود هنا هو إجماع أهل السنة، إلا أن النص الحرفي الوارد على لسان ابن تيمية في كتابه منهاج السنة هو: أن القائل إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين كاذب بإجماع المسلمين سنيهم وشيعيهم بل هو كفر.
ويظهر أن صاحبنا صانع هذه المناظرة الوهمية قد حرف كلام ابن تيمية أيضا وحذف منه ما رآه لا يلائم غرضه.
وتعليقنا على كلام ابن تيمية هذا هو أن الرجل على عادته من التسرع في إصدار الأحكام وقع في متاهة من جهة وأثبت جهله من جهة أخرى: إذ نسب الإجماع للشيعة وهو غير صحيح فجميع فرق الشيعة تتفق على اعتبار الإمامة أصل من أصول الدين، بل إن عقيدة الشيعة تقوم في الأساس على فكرة الإمامة وهو الاعتقاد الذي يميزها عن فرقة أهل السنة فمن أين أتى ابن تيمية بهذا الإجماع المزعوم؟ ولا جواب على هذا السؤال سوى أنه أصدر حكمه بلا بينة ودل هذا على جهله بعقيدة الشيعة التي يهاجمها من باب الحقد والعصبية لا من باب النص والبيان. وقد أدخل ابن تيمية نفسه في متاهة التكفير عندما حكم بالكفر على من يعتقد في الإمامة وهو بهذا يوهم المسلمين بأن الشيعة لا تعتقد في وحدانية الله ونبوة محمد (ص) وتقدم عليهما عقيدة الإمامة. ولا رد على هذا سوى قول ابن المطهر المذكور عاليا عن الإمامة الذي برهن عليه بحديث نبوي وهو ما يعني أن عقيدة الإمامة عند الشيعة إنما تقوم على أساس النصوص القرآنية والنبوية وهو ما تبين من خلال المناظرات السابقة وما سوف نبينه هنا..
وقول ابن تيمية أن الكفار كانوا إذا أسلموا أجري عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمام بحال كذب منه وجهل بسنة الرسول. بل جهل بالنصوص القرآنية التي تتعلق بالإمامة، وكيف لابن تيمية أن يغفل عن هذا الكم من النصوص النبوية الصحيحة عند أهل السنة والواردة في البخاري ومسلم التي تتحدث عن الخلافة والإمامة والإمارة مثل حديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. وحديث: إني تارك فيكم الثقلين. وحديث: من فارق الجماعة قيد شبر. وحديث: الأئمة بعدي اثنا عشر. وأحاديث السمع والطاعة للأئمة التي تكتظ بها كتب السنن، وغيرها من الأحاديث. والبيعة هنا إنما تكون لمن، أليست للإمام، والجماعة هنا أي جماعة أليست جماعة الإمام؟ والطاعة هنا لمن، أليست طاعة الإمام؟
وأبواب الإمامة التي تكتظ بها كتب الفقه وشروحاتها من أين جاء به الفقهاء إن كان الرسول (ص) لم يتحدث عن الإمامة ولم يخاطب بها أحد؟
إن ابن تيمية يريد أن يوهم المسلمين أن الرسول لم يهتم بقضية الإمامة بدليل أنه لم يكن يذكرها للداخلين في الإمام، وهو كلام فيه وهم كبير وغفلة شديدة. إذ أن باب دخول الإسلام هو الشهادتين ولا يختلف في ذلك أحد من الشيعة وغيرهم. والمؤمن بالشهادتين المتفهم لهما لا بد أن يقوده هذا الإيمان وهذا الفهم إلى الاعتقاد في الإمامة وذلك لما يلي:
- إن الرسول (ص) هو الإمام الحي المتحرك أمامه..
- إن الرسول قد بلغ بالإمامة وبشر بها..
- إن الرسول قد حدد الإمامة في شخص بعينه..
ومن خالف في هذا فقد خالف الرسول الموحى إليه بهذا البيان وهو بهذا يكون قد نقض الشهادتين ولم يثبت صدق إيمانه. إذ أن الالتزام يرتبط به مستقبل الدين بعد الرسول الذي هو خاتم الرسل والإمامة ضرورة لسد الفراغ من بعده وحفظ الدين وجمع كلمة المسلمين. وكأن الذي لا يؤمن بها لا يريد أن يتلقى الدين من مصدره ويبتدع لنفسه دينا جديدا. ومن هنا تبرز لنا أهمية قضية الإمامة ومكانتها في دائرة الإسلام.
وما يجب ذكره هنا هو أن النص الحرفي لكلام ابن تيمية هو: فإن الكفار على عهد رسول الله (ص) كانوا إذا أسلموا أجري عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة بحال ولا نقل هذا عن رسول الله أحد من أهل العلم لا نقلا خاصا ولا عاما. بل نحن نعلم بالاضطرار أن النبي لم يكن يذكر للناس إذا أرادوا الدخول في دينه الإمامة لا مطلقا ولا معنيا، فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين؟
وكما يظهر أن النص الحرفي لكلام ابن تيمية قد أظهر لنا ثلاثة أمور:
الأول: إن ابن تيمية نفى نفيا مطلقا ذكر الإمامة على لسان الرسول..
الثاني: إن أهل العلم لم ينقلوا شيئا عن الإمامة..
الثالث: إن ابن المطهر قد ذكر أن الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين..
وبالنسبة للأمر الأول والثاني فقد تبين كذب ابن تيمية وجهله بوجود هذا الكم الهائل من النصوص التي تتعلق بالإمامة المنقولة عن أهل العلم من فقهاء السنة أشرنا إلى بعضها في المناظرات السابقة وسوف نعرض لغيرها فيما بعد..
أما قول ابن المطهر فهو حجة على ابن تيمية إذ أن قوله أهم المطالب في أحكام الدين يدخل قضية الإمامة في دائرة الأحكام الشرعية الهامة والأساسية. وهذا الكلام من شأنه ألا يساويها بالشهادتين.
وهذا يكفي للرد على ابن تيمية الذي حمل كلام الرجل ما لا يحتمل..
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 108 109 111 112 113 ... » »»
الفهرست