المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٠٩
وأما قولك في الحديث " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " فنقول: من روى هذا؟ وأين إسناده؟ بل والله ما قاله الرسول (ص) هكذا (1).
ثم لو صح الحديث الذي أوردته لكان عليكم. فمن منكم يعرف إمام الزمان أو رآه أو رأى من رآه أو حفظ عنه مسألة؟ بل تدعون إلى صبي - ابن ثلاث أو خمس سنين - دخل سردابا من أربعمائة وستين عاما ولم ير له عين ولا أثر، ولا سمع حس ولا خبر وإنما أمرنا بطاعة أئمة موجودين معلومين لهم سلطان، وأن نطيعهم في المعروف دون المنكر (2).

(١) روى هذا الحديث مسند أحمد ج ٤ / ٩٦ ونصه: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ / ٢١٨ / ٢٢٥ والطبراني في عدة مواضع ١٩ / ٣٨٨ و ١٢ / ٤٤٠ و ١٠ / ٣٥٠. وورد في كنز العمال برقم ٤٦٤ / ١٤٨٦٣، وحلية الأولياء ج ٣ / ٢٢٤ وفي المستدرك ج ١ / ٧٧ والإتحاف ج ٦ / ١٢٢ / ٣٣٤ بلفظ: من مات ليس على إمام مات ميتة جاهلية. وورد في سنن ابن أبي عاصم ج ٢ / ٥٠٣، والدر المنثور ج ٢ / ٦١.
والسؤال هنا هل غابت عن ابن تيمية هذه المصادر ولم يكن على علم بها؟
ثم كيف له أن يقسم بالله أن الرسول ما قال هذا الكلام؟
ومن أين له هذا اليقين بعدم صحة هذا الحديث؟
(٢) هذا الكلام ليس هذا نصه في منهاج السنة وقد تصرف فيه صانع هذه المناقشة على هواه. إلا أنه في النهاية ليس في صالح ابن تيمية ولا أهل السنة الذين يتحدث بلسانهم فالشيعة هم الطائفة الوحيدة بين المسلمين الذين يعرفون إمام زمانهم اسما ونسبا وقد رآه السفراء الأربعة في فترة الغيبة الصغرى له التي استمرت خمس سنوات قبل أن يغيب غيبته الكبرى. ونقلوا عنه وهو أمر معروف عند الشيعة وعند أي مطلع على عقيدة الشيعة وتصور الغيبة عندهم. وليس معروفا عند ابن تيمية كما هو ظاهر والذي دخل في تحد مع الشيعة بلا علم. وقول ابن تيمية إنما أمرنا بطاعة أئمة موجودين معلومين لهم سلطان إنما هو يحدد أن الأئمة هم الحكام أصحاب السلطان لا أئمة آل البيت. وهذا هو الفارق بين الشيعة والسنة، أئمة السنة هم الحكام..
وأئمة الشيعة هم آل البيت..
لقد جعل أهل السنة الإمامية عقيدة وركنا من أركان الدين ولكن بصورة أخرى ملتوية. فهم بجعلهم الحكام هم الأئمة الذين بشر بهم الرسول (ص) في الأحاديث واعتبروا طاعتهم فريضة والخروج عليهم حرام ومنكر ومفسدة وهم بهذا يكونوا قد اعتبروا الحكام مدار الشرع وحصن الدين.
فالصلاة وراءهم ضرورة..
والجهاد خلفهم فريضة..
وتسليم الزكاة لهم طهارة للأموال..
هذا في الوقت الذي يحرمون فيه على الشيعة تلقي الدين من أئمة آل البيت وحصر الإمامة في دائرتهم. بل إن رفض الشيعة لهؤلاء الحكام واعتبارهم غير شرعيين أحد الطعون التي توجه إليهم من قبل أهل السنة..
يقول ابن تيمية في منهاجه بعد أن طعن في حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه: إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم: من خلع يد من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة - للحكام - مات ميتة جاهلية. وهذا حديث ابن عمر لعبد الله بن مطيع بن الأسود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد مع أنه كان فيه من الظلم ما كان ثم أنه اقتتل هو وهم وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة. فعلم أن هذا الحديث دل على ما دلت عليه سائر الأحاديث من أنه لا يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف فإن لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية، وهذا ضد قول الرافضة فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها.. (ج 1 / 27).
واعتبار ابن تيمية مفارق الحكام والخارج عن دائرتهم يموت ميتة جاهلية يعني أن هؤلاء الحكام هم الفيصل بين الإسلام والجاهلية والحق والباطل بحيث يكون من تبعهم ويكون في دائرتهم ويلتزم بطاعتهم على الحق ويموت على الإسلام. وهذا هو جوهر الإمامة وهذه هي حقيقتها وهو ما عليه أهل السنة..
ولا يعقل أن يكون هؤلاء الحكام من بني أمية وبني العباس والمماليك الذين عاصرهم ابن تيمية ودان بالطاعة والولاء لهم هم الأئمة الذين بشر بهم الرسول (ص) وألزم الأمة باتباعهم لكن ابن تيمية الحنبلي ومن قبله من الفقهاء يدينون العقل ويجرمونه ويعطلوه خاصة في مثل تلك الأمور التي تتعلق بالسياسة والحكام.. (انظر لنا مدافع الفقهاء، وأهل السنة شعب الله المختار).
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 108 109 111 112 113 115 116 ... » »»
الفهرست