شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ١٠١
جاء الضمير في الشعر منفصلا مع إمكان الاتيان به متصلا، كقوله:
15 - بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير * * * .
15 - البيت من قصيدة للفرزدق، يفتخر فيها، ويمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله:
يا خير حي وقت نعل له قدما * وميت بعد رسل الله مقبور إني حلفت، ولم أحلف على فند *، فناء بيت من الساعين معمور اللغة: " الباعث " الذي يبعث الأموات ويحييهم بعد موتهم " الوارث " هو الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك " ضمنت " - بكسر الميم مخففة - بمعنى تضمنت، أي اشتملت أو بمعنى تكفلت يهم " الدهارير " الزمن الماضي، أو الشدائد، وهو جمع لا واحد له من لفظه.
الاعراب: " يا لباعث " جار ومجرور متعلق بقوله " حلفت " في البيت الذي أنشدناه قبل هذا البيت، والأموات: يجوز فيه وجهان، أحدهما: جره بالكسرة الظاهرة على أنه مضاف إليه، والمضاف هو الباعث والوارث على مثال قوله:
يا من رأى عارضا أسر له * بين ذراعي وجبهة الأسد وقولهم " قطع الله يد ورجل من قالها " والوجه الثاني: نصب الأموات بالفتحة الظاهرة على أنه مفعول به (تنازعه)؟ الوصفان فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة " ضمنت " فعل ماض، والتاء للتأنيث " إياهم " مفعول به تقدم على الفاعل " الأرض " فاعل ضمن " في دهر " جار ومجرور متعلق بضمنت، ودهر مضاف و " الدهارير " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله " ضمنت إياهم " حيث عدل عن وصل الضمير إلى فصله، وذلك خاص بالشعر، ولا يجوز في سعة الكلام، ولو جاء به على ما يستحقه الكلام لقال " قد ضمنتهم الأرض ".
ومثل هذا البيت قول زياد بن منقذ العدوي التميمي من قصيدة له يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل صنعاء فاستوبأها، وكان أهله بنجد في وادي أشى - بزنة المصغر (وانظر 1 / 65 من كتابنا هداية السالك إلى أوضح المسالك):
وما أصاحب من قوم فأذكرهم * إلا يزيدهم حبا إلي هم فقد جاء بالضمير منفصلا - وهو قوله " هم " في آخر البيت - وكان من حقه أن يجئ به متصلا بالعامل - وهو قوله " يزيد " - ولو جاء به على ما يقتضيه الاستعمال لقال " إلا يزيدونهم حبا إلى ".
ومثل ذلك قول طرفة بن العبد البكري:
أصرمت حبل الوصل، بل صرموا يا صاح، بل قطع الوصال هم وكان من حقه أن يقول: " بل قطعوا الوصال " لكنه اضطر ففصل.