شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٧٠
وظاهر كلام المصنف - رحمه الله تعالى! - أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة، وليس كذلك، بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة، كما قدمناه، وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الألف؟
قولان، وظاهر كلام المصنف الثاني (1).
(1) اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه، واختلف النحاة في تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه، الأول - وعليه ابن مالك - أنها زيدت دفعا لتوهم الإضافة في " رأيت بنين كرماء " إذ لو قلت " رأيت بني كرماء " لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت " بني كرماء " فقد أردت وصف الآباء بالكرم وأن بني مضاف وكرماء مضاف إليه، وإن قلت " بنين كرماء " فقد أردت وصف الأبناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين، وبعدا عن توهم الافراد في " هذان " ونحو " الخوزلان " و " المهتدين "، إذ لولا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع، الثاني أنها زيدت عوضا عن الحركة في الاسم المفرد، وعليه الزجاج، والثالث: أن زيادتها عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وعليه ابن كيسان، وهو الذي يجري على ألسنة المعربين، والرابع: أنها عوض عن الحركة والتنوين معا، وعليه ابن ولاد والجزولي، والخامس: أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة في مفرده كمحمد وعلي، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين في مفرده كزينب وفاطمة، وعن التنوين فقط فيما لا حركة في مفرده كالقاضي والفتى، وليست عوضا عن شئ منهما فيما لا حركة ولا تنوين في مفرده كالحبلى، وعليه ابن جنى، والسادس: أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى، إذ لو حذفت النون من قولك " عليان " لأشكل عليك أمره، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع، وعلى هذا الفراء، والسابع: أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين.
ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة في المثنى مفتوحة في الجمع، فأما مجرد حركتها فيهما فلأجل التخلص من التقاء الساكنين، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل واحد من الآخر، وأما فتحها في الجمع فلان الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف، فقصدت المعادلة بينهما، لئلا يجتمع ثقيلان في كلمة، وورد العكس في الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع، ضرورة لا لغة، وقيل: ذلك خاص بحالة الياء فيهما، وقيل لا، بل مع الألف والواو أيضا.
وذكر الشيباني وابن جنى أن من العرب من يضم النون في المثنى، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر:
يا أبتا أرقني القذان * فالنوم لا تطعمه العينان وهذا إنما يجئ مع الألف، لا مع الياء.
وسمع تشديد نون المثنى في تثنية اسم الإشارة والموصول فقط، وقد قرئ بالتشديد في قوله تعالى: (فذانك برهانان) وقوله: (واللذان يأتيانها) وقوله: (إحدى ابنتي هاتين) وقوله سبحانه: (ربنا أرنا اللذين).