شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٦١٣
ومن استعمالها مرفوعة قوله:
172 - وإذا تباع كريمة أو تشترى * فسواك بائعها وأنت المشتري وقوله:
173 - ولم يبق سوى العدوان * دناهم كما دانوا .
172 - البيت لمحمد بن عبد الله المدني، يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، وقد روى أبو تمام في الحماسة عدة أبيات من هذه الكلمة، أولها بيت الشاهد (انظر شرح التبريزي 4 / 274 بتحقيقنا) وبعده قوله:
وإذا توعرت المسالك لم يكن منها السبيل إلى نداك بأوعر اللغة: " تباع " أراد بالبيع ههنا الزهد في الشئ، والانصراف عنه، وذهاب الرغبة في تحصيله، كما أراد بالشراء الحرص على الشئ، والكلف به، وشدة الرغبة في الحصول عليه، و " أو " ههنا بمعنى الواو " كريمة " أي خصلة كريمة، أي نفيسة حسنة يتسابق الكرام إليها.
المعنى: إذا رغب قوم في تحصيل المكارم وتأثيل المجد وانصرف آخرون عن ذلك، فأنت الراغب في المجد المحصل للمكارم، وغيرك المنصرف عنه الزاهد فيه.
الاعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " تباع " فعل مضارع مبني للمجهول " كريمة " نائب فاعل تباع، والجملة من تباع ونائب فاعله في محل جر بإضافة إذا إليها " أو " عاطفة " تشترى " فعل مضارع مبني للمجهول معطوف على تباع، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى كريمة " فسواك " الفاء لربط الجواب بالشرط، سوى: مبتدأ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه " بائعها " بائع: خبر المبتدأ، وبائع مضاف، وها: مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب جواب إذا " وأنت " مبتدأ " المشتري " خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.
الشاهد فيه: قوله " فسواك " فإن " سوى " قد خرجت عن الظرفية، ووقعت مبتدأ متأثرا بالعامل، وهذا العامل معنوي، وهو الابتداء، وهو يرد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور من أن " سوى " لا تخرج عن النصب على الظرفية.
173 - البيت للفند الزماني من كلمة يقولها في حرب البسوس، واسم الفند شهل ابن شيبان بن ربيعة، وقد روى أبو تمام في مطلع ديوان الحماسة أبياتا من هذه الكلمة يقع بيت الشاهد رابعها، وقبله وقوله:
صفحنا عن بني ذهل * وقلنا: القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعن * قوما كالذي كانوا فلما صرح الشر * وأمسى وهو عريان اللغة: " صفحنا " عفونا، والصفح: العفو، وأصله من قولهم: أعرضت صفحا عن هذا الامر، إذا تركته ووليته جانبك " بني ذهل " يروى في مكانه " بني هند " وهي هند بنت مر ابن أخت تميم، وهي أم بكر وتغلب ابني وائل " العدوان " الظلم الصريح " دناهم " جازيناهم وفعلنا بهم مثل الذي فعلوا بنا من الإساءة، وجملة " دناهم " هذه جواب " لما " في قوله " فلما صرح الشر ".
الاعراب: " ولم " نافية جازمة " يبق " فعل مضارع مجزوم بحذف الألف " سوى " فاعل يبق، وسوى مضاف، و " العدوان " مضاف إليه " دناهم " فعل ومفعول به " كما " الكاف جارة، وما: يجوز أن تكون موصولا اسميا، وأن تكون حرفا مصدريا " دانوا " فعل وفاعل، فإذا كانت " ما " موصولا اسميا فالجملة لا محل لها من الاعراب صلة، والعائد محذوف، والتقدير: دناهم كالدين الذي دانوه، وإذا كانت ما مصدرية فهي ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وعلى كل حال فإن الكاف ومجرورها متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف يدل عليه قوله دناهم، والتقدير: دناهم دينا كائنا كالدين الذي دانوه، أو دناهم دينا مثل دينهم إيانا.
الشاهد فيه: قوله " سوى العدوان " حيث وقعت " سوى " فاعلا، وخرجت عن الظرفية.