شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٤٥٩
و " أنبأ " كقولك: " أنبأت عبد الله زيدا مسافرا " ومنه قوله:
140 - وأنبئت قيسا ولم أبله * كما زعموا خير أهل اليمن و " خبر " كقولك: " خبرت زيدا عمرا غائبا " ومنه قوله:
141 - وخبرت سوداء الغميم مريضة فأقبلت من أهلي بمصر أعودها .
140 - هذا البيت للأعشى ميمون بن قيس، من كلمة يمدح بها قيس بن قيس بن معديكرب، وأولها قوله:
لعمرك ما طول هذا الزمن * على المرء إلا عناء معن اللغة: " معن " هو اسم فاعل من عناه - بتشديد النون - إذا أورثه العناء والمشقة " ولم أبله " تقول: بلوته أبلوه، إذا اختبرته، ويروى في مكانه " ولم آته " ويذكر الرواة أن قيسا حين سمع هذا البيت قال: أو شك؟ ثم أمر بحبسه.
الاعراب: " وأنبئت " أنبئ: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الأول " قيسا " مفعول ثان " ولم أبله " الواو واو الحال، وما بعده جملة من فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا، ومفعول، في محل نصب حال " كما " الكاف جارة، وما: يحتمل أن تكون موصولة مجرورة المحل بالكاف، وأن تكون مصدرية، وعلى الأول فجملة " زعموا " لا محل لها صلة، وعلى الثاني تكون " ما " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف أي كزعمهم " خير " مفعول ثالث لأنبئت، وخير مضاف و " أهل " مضاف إليه، وأهل مضاف و " اليمن " مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكن لأجل الوقف.
الشاهد فيه: قوله " وأنبئت قيسا. خير أهل اليمن " حيث أعمل أنبأ في مفاعيل ثلاثة، الأول تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل، والثاني قوله " قيسا "، والثالث قوله " خير أهل اليمن ".
141 - هذا البيت للعوام بن عقبة بن كعب بن زهير، وكان قد عشق امرأة من بني عبد الله بن غطفان، وكلف بها، وكانت هي تجد به أيضا، فخرج إلى مصر في ميرة، فبلغه أنها مريضة، فترك ميرته، وكر نحوها راجعا، وهو يقول أبياتا أولها بيت الشاهد، وبعده قوله:
فيا ليت شعري هل تغير بعدنا ملاحة عيني أم يحيى وجيدها؟
وهل أخلقت أثوابها بعد جدة ألا حبذا أخلاقها وجديدها؟
ولم يبق يا سوداء شئ أحبه وإن بقيت أعلام أرض وبيدها (وانظر شرح التبريزي على الحماسة 3 / 344 بتحقيقنا)، اللغة: " الغميم " بفتح الغين المعجمة وكسر الميم - اسم موضع في بلاد الحجاز، ويقال: هو بضم الغين على زنة التصغير، ويروى " ونبئت سوداء الغميم " ويروى أيضا " ونبئت سوداء القلوب " فيجوز أن اسمها سوداء ثم أضافها إلى القلوب كما فعل ابن الدمينة في قوله:
قفي يا أميم القلب نقض لبانة ونشك الهوى، ثم افعلي ما بدا لك ويجوز أن يكون أراد أنها تحل من القلوب محل السويداء، ويجوز أن يكون قد أراد أنها قاسية القلب، ولكنه جمع لأنه أراد القلب وما حوله، أو أراد أن لها مع كل محب قلبا، ويروون عجز البيت " فأقبلت من مصر إليها أعودها "، الاعراب: " خبرت " خبر: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الأول " سوداء " مفعول ثان، وسوداء مضاف و " الغميم " مضاف إليه " مريضة " مفعول ثالث لخبر " فأقبلت " فعل وفاعل " من أهلي " الجار والمجرور متعلق بأقبل، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بمصر " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو حال من أهل المضاف لياء المتكلم " أعودها " أعود: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وهاء: مفعول به، والجملة في محل نصب حال من التاء في " أقبلت ".
الشاهد فيه: قوله " وخبرت سوداء الغميم مريضة " حيث أعمل " خبر " في ثلاثة مفاعيل، أحدها تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل، والثاني قوله " سوداء الغميم "، والثالث قوله " مريضة " كما اتضح لك في إعراب البيت.
هذا، وأنت لو تأملت في جميع هذه الشواهد التي جاء بها الشارح لهذه المسألة لوجدت الأفعال فيها كلها مبنية للمجهول، وقد تعدت إلى مفعولين بعد نائب الفاعل، وبعضها تجد المفعول الثاني والمفعول الثالث فيه مفردين، وبعضها تجد فيه المفعول الثالث جملة كبيت الحارث بن حلزة (رقم 139) وشأن ما لم يذكره الشارح من الشواهد كشأن ما ذكره منها، حتى قال شيخ الاسلام زكريا الأنصاري: " ولم يسمع تعديها إلى ثلاثة صريحة " اه.